وقال عثمان بن عفّان ، ومالك بن أنس ، وأبو عبيدة ، وجماعة : معناه : لا تشدّد علينا في التّكاليف ما لا نستطيع المقام معه ، فتعذّبنا بنقضه وتركه ؛ كما شدّدت على الذين من قبلنا ، يعني : اليهود ، فلم يقوموا به فيعذّبهم (١).
قال المفسّرون (٢) : إن الله تعالى فرض عليهم خمسين صلاة ، وأمرهم بأداء ربع أموالهم في الزّكاة ، ومن أصاب ثوبه نجاسة أمر بقطعها ، ومن أصاب ذنبا ، أصبح وذنبه مكتوب على بابه ، وكانوا إذا نسوا شيئا عجّلت لهم العقوبة في الدّنيا ، وكانوا إذا أتوا بخطيئة ، حرم عليهم من الطّعام بعض ما كان حلالا لهم ؛ قال تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ) [النساء : ١٦٠] ، ونحو ذلك ؛ كتحريمه على قوم طالوت الشّرب من النّهر ، وتعجيل تعذيبهم في الدّنيا بكونهم مسخوا قردة وخنازير.
قال القفّال ـ رحمهالله تعالى ـ : ومن نظر (٣) في السّفر الخامس من التّوراة التي تدّعيها هؤلاء اليهود ، وقف على ما أخذ عليه من غلظ العهود والمواثيق ، ورأى الأعاجيب الكثيرة ، فالمؤمنون سألوا ربّهم أن يصونهم عن أمثال هذه التّغليظات ، وهو بفضله ورحمته قد أزال عنهم ذلك.
قال تعالى في صفة هذه الأمة : (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) [الأعراف : ١٥٧].
وقال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «دفع عن أمّتي الخسف والمسخ والغرق» (٤).
وقال تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) [الأنفال : ٣٣]. وقال عليه الصلاة والسلام : «بعثت بالحنيفيّة السّمحة» (٥) والمؤمنون إنّما طلبوا هذا التّخفيف ؛ لأن التّشديد مظنّة التّقصير ، والتّقصير موجب للعقوبة ، ولا طاقة لهم بعذاب الله ، فلا جرم طلبوا تخفيف التّكاليف.
وقيل : الإصر ذنب لا توبة له ، معناه : اعصمنا من مثله ، قالوا : والأصل فيه العقد والإحكام.
قوله : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ).
الطّاقة : القدرة على الشيء ، وهي في الأصل ، مصدر ، جاءت على حذف الزوائد ، وكان من حقّها «إطاقة» ؛ لأنها من أطاق ، ولكن شذّت كما شذّت أليفاظ ؛ نحو : أغار
__________________
(١) انظر : التفسير الكبير للفخر الرازي (٧ / ١٢٧).
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ١٢٧.
(٣) ذكره الرازي في «التفسير الكبير» (٧ / ١٢٧).
(٤) ينظر : المصدر السابق.
(٥) تقدم.