والثاني : أنّا بيّنا أنّ الطّاقة هي الإطاقة والقدرة ، فقوله : (وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) ظاهره لا تحمّلنا ما لا طاقة لنا عليه ، أقصى ما في الباب أنّه جاء هذا اللّفظ بمعنى الاستقبال في بعض الوجوه على سبيل المجاز ، إلّا أنّ الأصل حمل اللّفظ على الحقيقة.
وأمّا الوجه الثاني : فإن التّحميل مخصوص في عرف القرآن بالتّكليف ، قال تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ) إلى قوله (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) [الأحزاب : ٧٢] ، ثم هب أنّه لم يوجد هذا العرف ، إلّا أنّ قوله : (لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) عامّ في العذاب والتّكليف ، فوجب إجراؤه على ظاهره ، فأمّا تخصيصه بغير حجّة ، فلا يجوز.
وأمّا الوجه الثالث : فإن فعل الشيء إذا كان ممتنعا ، لم يجز طلب امتناعه بالدّعاء ؛ لأنه يجري مجرى قوله في دعائه ربّنا لا تجمع بين الضّدّين.
وإذا كان هذا هو الأصل ، فإذا صار ذلك متروكا في بعض الصّور لدليل مفصّل ، لم يجب تركه في سائر الصّور بغير دليل.
قوله : (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا) قال ابن الخطيب : لما كانت الأدعية الثّلاثة المتقدّمة ، المطلوب بها الترك ، قرنت بلفظ «ربّنا» ، وأمّا هذا الدّعاء فحذف فيه لفظ «ربّنا» وظاهره يدلّ على طلب الفعل.
فإن قيل : لم لم يذكر هنا لفظ «ربّنا».
فالجواب : أن النّداء إنما يحتاج إليه عند البعد أمّا عند القرب فلا ؛ وإنّما حذف النّداء إشعارا بأنّ العبد إذا واظب على التّضرّع (١) نال القرب من الله ـ تعالى ـ.
فإن قيل : ما الفرق بين العفو والمغفرة والرّحمة.
الجواب أن العفو أن يسقط عنه العقاب ، والمغفرة أن يستر عليه جرمه صونا له من عذاب التّخجيل والفضيحة ؛ كأن العبد يقول : أطلب منك العفو ، وإذا عفوت عنّي فاستره عليّ فإنّ الخلاص من عذاب النّار إنّما يطيب ، إذا حصل عقيبه الخلاص من عذاب الفضيحة ، فلما تخلّص من هذين العذابين ، أقبل على طلب الثّواب ، فقال : «وارحمنا» فإنّنا لا نقدر على فعل الطّاعة وترك المعصية إلّا برحمتك.
قوله تعالى : (أَنْتَ مَوْلانا) المولى مفعل من ولي يلي ، وهو هنا مصدر يراد به الفاعل ، فيجوز أن يكون على حذف مضاف ، أي : صاحب تولّينا ، أي : نصرتنا ، ولذلك قال : «فانصرنا» ، والمولى يجوز أن يكون اسم مكان أيضا ، واسم زمان.
في قوله (أَنْتَ مَوْلانا) فائدة ؛ وهي أنّها تدلّ على نهاية التّذلّل والخضوع ، فلا جرم
__________________
(١) في ب : التضريع.