ذكرها عند الدّعاء متكلين على فضله وإحسانه بمنزلة الطّفل ، لا تتمّ مصلحته إلّا بتدبير قيمه ، والعبد الّذي ينتظم شمل مهمّاته إلا بإصلاح مولاه ، وهو المولى في الحقيقة للكلّ على ما قال (نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [الأنفال : ٤٠] ونظير هذه الآية الكريمة (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ) [البقرة : ٢٥٧] أي : ناصرهم ، وقوله : (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ) [التحريم : ٤] أي : ناصره ، وقوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) [محمد : ١١].
قوله تعالى : (فَانْصُرْنا) أتى بالفاء هنا ؛ إعلاما بالسببية ؛ لأنّ الله تعالى لمّا كان مولاهم ومالك أمورهم ، وهو مدبّرهم تسبّب عنه أن دعوه أن ينصرهم على أعدائهم ؛ كقولك : «أنت الجواد فتكرّم» ، و «أنت المعطي فرجا فضلا منك».
قوله : (عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) أي : انصرنا في محاربتنا معهم ، وفي مناظرتنا بالحجّة معهم ، وفي إعلاء دولة الإسلام على دولتهم على ما قال : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) [التوبة : ٣٣].
فصل
روى الواحدي (١) رحمهالله عن مقاتل بن سليمان ؛ أنه لما أسري بالنّبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أعطي خواتيم سورة البقرة ، فقالت الملائكة : إنّ الله ـ تعالى ـ قد أكرمك بحسن الثّناء عليك بقوله ـ تعالى ـ : (آمَنَ الرَّسُولُ) فسله وارغب إليه ، فعلّمه ـ جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ كيف يدعو ، فقال محمّد ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ (غُفْرانَكَ رَبَّنا) وقال الله : قد غفرت لكم ، فقال : (لا تُؤاخِذْنا) فقال الله : لا أؤاخذكم ، فقال : (وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) فقال : لا أشدّد عليكم ، فقال محمّد : (لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) فقال : لا أحملكم ذلك ، فقال محمد : (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا) فقال الله : قد عفوت عنكم ، وغفرت لكم ، ورحمتكم ، وأنصركم على القوم الكافرين (٢).
وروى سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس ، وسمعناه في بعض الرّوايات ؛ أن محمدا ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ كان يذكر هذه الدّعوات والملائكة كانوا يقولون : آمين (٣).
وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه (٤). وعن النّعمان بن بشير ؛ أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ١٣١.
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١٤٢) عن ابن عباس.
(٤) أخرجه البخاري (٥ / ١٩٨) كتاب المغازي باب ١٢ رقم (٤٠٠٨) ، (٦ / ٣٣٣) كتاب فضائل القرآن باب من لم ير بأسا أن يقول سورة ... الخ ، رقم (٥٠٤٠) ومسلم صلاة المسافرين ٢٥٥ وابن ماجه (١٣٦٨) والطبراني (١٧ / ٢٠٣) والبغوي في «تفسيره» (١ / ٣١٦) وفي «شرح السنة» (٤ / ٤٦٤).