قلنا : قوله (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) يفيد حصول هذا الوصف في حال الإباحة ، ويدلّ على ذلك فعل الصحابة ، فإنهم كانوا يتزوّجون الكتابيّات ، ولم يظهر من أحد منهم إنكار ذلك وكان إجماعا على الجواز ، كما نقل أنّ حذيفة تزوّج يهوديّة ، أو نصرانيّة ، فكتب إليه : أتزعم أنّها حرام؟ فقال : لا ، ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهنّ (١).
وتزوج عثمان نائلة بنت فرافصة ، وكانت نصرانيّة ؛ فأسلمت تحته ، وتزوّج طلحة بن عبيد الله يهوديّة (٢).
وعن جابر بن عبد الله أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «نتزوّج نساء أهل الكتاب ، ولا يتزوّجون نساءنا» (٣).
وروى عبد الرّحمن بن عوف أنّه عليه الصّلاة والسّلام قال في المجوس : «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ، ولا آكلي ذبائحهم» (٤) ولو لم يكن نكاح نسائهم جائزا ، لكان هذا الاستثناء عبثا.
وقال قتادة وسعيد بن جبير : أراد ب «المشركات» في الآية الوثنيّات (٥).
واحتجّ القائلون بعدم الجواز بوجوه :
أحدها : أنّ لفظ «المشرك» يتناول الكتابيّة على ما بيّنّاه ، والتّخصيص والنّسخ خلاف الظّاهر.
قالوا : ويؤيّد ذلك قوله في آخر الآية : (أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) والوصف المناسب إذا ذكر عقيب الحكم أشعر بالعلّيّة ، وكأنه تعالى قال : حرّمت عليكم نكاح المشركات ؛ لأنّهم يدعون إلى النّار وهذه العلّة قائمة في الكتابيّة ، فوجب القطع بتحريمها.
وثانيها : أنّ ابن عمر لما سئل عن هذه المسألة تلا آية التّحريم وآية التّحليل ، ووجه
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٣٦٦ ـ ٣٦٧) والبيهقي (٧ / ١٧٢) وذكره ابن كثير في «تفسيره» (١ / ٥٠٧) من رواية الطبري وقال : هذا إسناد صحيح.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٥٩) وزاد نسبته لعبد الرزاق.
(٢) انظر تفسير الطبري (٤ / ٣٦٤ ـ ٣٦٥).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٣٦٧) عن جابر بن عبد الله مرفوعا وقال : فهذا الخبر وإن كان في إسناده ما فيه فالقول به.
(٤) أخرجه مالك في «الموطأ» (١ / ٢٧٨) رقم (٤٢) والشافعي في «مسنده» (١١٨٢) والبيهقي (٩ / ١٨٩) عن عبد الرحمن بن عوف.
ورواه الطبراني عن السائب بن يزيد كما في «المجمع» (٦ / ١٣) بلفظ سنّوا بالمجوس سنة أهل الكتاب وقال الهيثمي : فيه من لم أعرفه وأورده ابن كثير في تفسيره (٣ / ٨٠) وقال : لم يثبت بهذا اللفظ.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٣٦٣ و ٣٦٤) عن قتادة وسعيد بن جبير.