اللّباب في علوم الكتاب [ ج ٦ ]

قائمة الکتاب

البحث

البحث في اللّباب في علوم الكتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
إضاءة الخلفية
200%100%50%
بسم الله الرحمن الرحيم
عرض الکتاب

قال شهاب الدين : «والحق أن حزنه وأحزنه لغتان فاشيتان ، لثبوتهما متواترتين ـ وإن كان أبو البقاء قال : إن أحزن لغة قليلة ، ومن عجيب ما اتفق أن نافعا ـ رحمه‌الله ـ يقرأ هذه المادة من «أحزن» إلا التي في الأنبياء ـ كما تقدم ـ وأن شيخه أبا جعفر يزيد بن القعقاع يقرأها من «حزنه» ـ ثلاثيا ـ إلا التي في الأنبياء ، وهذا من الجمع بين اللغتين ، والقراءة سنة متّبعة».

وقرأ الجماعة : «يسارعون» بالفتح والامالة (١) ، وقرأ النحوي «يسرعون» ـ من أسرع ـ في جميع القرآن (٢) ، قال ابن عطية : «وقراءة الجماعة أبلغ ؛ لأن من يسارع غيره أشد اجتهادا من الذي يسرع وحده».

قوله : (إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) في نصب «شيئا» وجهان :

أحدهما : أنه مصدر ، أي : لا يضرونه شيئا من الضرر.

الثاني : أنه منصوب على إسقاط الخافض ، أي : لن يضروه بشيء. وهكذا كل موضع أشبهه ففيه الوجهان.

فصل

اختلفوا في هؤلاء المسارعين ، فقال الضّحّاك : هم كفار قريش (٣) ، وقال غيره : هم المنافقون ؛ يسارعون في الكفر مظاهرة للكفار (٤)(إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ) بمسارعتهم في الكفر.

وقيل : إن قوما من الكفار أسلموا ، ثم ارتدوا ؛ خوفا من قريش ، فوقع الغمّ في قلب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك السبب فإنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ظن أنهم بسبب تلك الرّدّة يلحقون به مضرّة ، فبيّن ـ تعالى ـ أن ردّتهم لا تؤثر في لحوق ضرر بك (٥).

قال القاضي : ويقوى هذا الوجه بأن المستمر على الكفر لا يوصف بأنه يسارع في الكفر ، وإنما يوصف بذلك من يكفر بعد الإيمان. وأيضا فإن إرادته ألا يجعل لهم حظّا في الآخرة لا تليق إلا بمن قد آمن واستوجب ذلك ، ثم أحبط.

وأيضا فإن الحزن إنما يكون على فوات أمر مقصود ، فلما قدّر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الانتفاع

__________________

(١) انظر : إتحاف ١ / ٤٩٥ ، والدر المصون ٢ / ٢٦٤.

(٢) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٥٤٤ ، والبحر المحيط ٣ / ١٢٦ ، والدر المصون ٢ / ٢٦٤.

(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٨٣) وعزاه لابن أبي حاتم عن الحسن.

وذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (٩ / ٨٤).

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٤١٨) عن مجاهد وابن إسحاق وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٨٢) عن مجاهد وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

والأثر في «السيرة النبوية» لابن هشام (٣ / ١٢٨) عن ابن إسحاق.

(٥) انظر تفسير الرازي (٩ / ٨٤).