تنوع الأسلوب القرآني
(وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا) وذلك بما أثرناه فيه من تنوّع الأساليب ، من أجل أن يلائم كل الأفكار ، ويلتقي بالحقيقة من أكثر من طريق ، فإذا لم يقتنع البعض بالفكرة من خلال أسلوب ، اقتنع بأسلوب آخر ، وإذا لم ينسجم مع بعض المفاهيم أو الأمثلة ، أمكنه أن يجد الانسجام في مفهوم آخر أو مثل آخر ، ليعيش الناس الوعي القرآني في كل آية من آياته ، وفي كل فكرة من أفكاره ، فيكون ذكرى لهم من خلال ما تطرحه الآيات أمامهم من علامات الاستفهام ، أو تواجههم به من مشاكل المعرفة أو أخطار النتائج السيّئة في مسألة المصير. ولكن مشكلة هؤلاء أنهم يرفضون التفكير ، لأنهم لا يريدون أن يغيّروا ما اعتادوه وألفوه في معتقداتهم وعاداتهم وتقاليدهم ، مما يجعل من أيّة دعوة تغييرية سببا في تعقيد مواقفهم ، وإثارة مشاعرهم ، ونفورهم من الداعي ودعوته ، لأن ذلك يؤدي إلى إحراجهم وتعرية أوضاعهم عند ما ينكشف الزيف الذي يختبئون خلفه ، فيبدو أمرهم للناس في صورة الذي ينكر الحقيقة في مواقع الوضوح ، لا في مواقع الغموض ، وهكذا يواجهون ما يتلو عليهم الدعاة من القرآن.
(وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً) فكل آية يسمعونها تثير الحقد في نفوسهم بدلا من المحبة ، والجهل بدلا من المعرفة ، لأنهم يتحركون في مواجهتهم له من موقع عقدة ، لا من موقع تفكير ووعي وإخلاص ، ولكن القرآن يبقى في آياته عنصر توعية وتذكير ، في مجالات الدعوة والتحدّي ، ليكون حجّة عليهم أمام الله ، وشاهدا على جهلهم وعنادهم ، وقد كان الشعار النبويّ في حركة الرسالات في الدعوة (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) [الأنفال : ٤٢].
* * *