دلالة الآية على وحدانية الله
وقد اعتبر علماء الكلام هذا المضمون المذكور في الآية دليلا على وحدانية الله سبحانه ، فالإنسان قد يخضع لحالة معينة كالإشراف على الغرق ، بعيدا عن كل الوسائل التي تنقذ حياته ، لكنّنا لا نراه يعيش اليأس القاتل والاستسلام الكلي أمام الموت الفاغر فاه ليلتهمه ، بل نرى الأمل يتحرك في قلبه في قوّة وحيوية واخضرار ، متعلقا بوجود قوة قادرة رحيمة ، وليس هناك معنى لذلك إلا أن هناك سببا فوق الأسباب يرجع الأمر كله إليه ، وهو الله ـ سبحانه ـ الذي تنطلق الفطرة من عمق الصفاء فيها ، لتلتقي به وتكشف وجوده وحضوره في حياة الإنسان ، ولكن الشوائب الطارئة ، والزخارف المغرية ، والأهواء العابثة ، هي التي تحجب الفطرة عن الله ، وتنتهي بالإنسان إلى الغفلة عنه.
(أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ) فكيف تأمنون لصلابة الأرض التي تقفون عليها ، وأنتم تعرفون مبلغ قدرته التي يزلزل بها الأرض ، ويحول الجبال إلى تراب تذروه الريح. (أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) يرميكم بالحجارة أو يقصفكم بالريح المهلكة في البر ... فكيف تأمنون في البر من مكر الله ما لا تأمنونه في البحر ، مع أن كل القوانين في البر والبحر طوع إرادته وقدرته؟!
(أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى) فيرجعكم إلى البحر بسبب أو بآخر ، (فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ) يقصف السفن فيكسرها ، (فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ) بالله وبنعمه. (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً) ، وهو التابع الذي يتبع الشيء ، فيتابع المسألة مع الله ليسأله لم فعل هذا أو ليحاسبه على ذلك ، لأن الله هو الأعلى الذي لا يقترب من جلاله شيء ، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
* * *