(ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ) فهزمتموهم كما هزموكم ، ودمرتموهم واستبحتم ديارهم ونهبتم أموالهم ، كما فعلوا معكم في ما رزقكم الله من نعمه العظيمة ، وأغدق عليكم رحمته من جديد. (وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) لأنكم رجعتم إلى الله ، وأحسنتم سياسة الناس ، وحملتم مسئولية الحياة كما يريدها الله من عباده ، وذلك هو خط الحياة في سنة الله للناس في ما يحسنون أو يسيئون.
(إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) لأن نتائج أفعال الخير أو الشر تعود للإنسان الفاعل. (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) وأفسدتم الحياة من جديد ، واستكبرتم على العباد ، واستعليتم على الناس بغير حق ، فستقعون مجددا في التجربة المرّة ، ويهاجمكم الأقوياء الآخرون الذين يملكون البأس الشديد ، (لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ) ليطبعوها بطابع الحزن والمرارة ، ويسموها بسمة الذل والمهانة من خلال سيطرتهم عليكم ، (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ) ، والمراد به ـ في ما يظهر ـ المسجد الأقصى ، الذي هاجمه أعداؤهم مرتين واستباحوا حرمته ، وأخرجوهم منه ، ودمّروا كل أوضاعهم ، وقد نستوحي من هذا التعبير أن المهاجمين أولا ، هم المهاجمون ثانيا ، (وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً) وهو ما يوحي بالدمار الشامل الذي لا يبقى معه شيء.
* * *
أبواب الرحمة الإلهية
(عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) بعد ذلك التشريد والتنكيل والهلاك ، إذا رجعتم إليه ، وعملتم بكتابه ، وسرتم على الصراط المستقيم ، مما يعيد إليكم عزكم ومجدكم وامتدادكم في الأرض ، لأن الله لن يسلب من أمّة رحمته إذا أخذت بأسبابها بعد أن كانت قد ابتعدت عنها ، فهو جعل أبواب رحمته لمن أراد أن