وبهذا الأسلوب استطاع أن يربّي جيل الإسلام الأوّل الذي احتواه القرآن بآياته ، حتى عمّق في داخله أخلاقية الرسالة ، وقوّة الإيمان ، وفاعلية الحركة ، لأن الإنسان لم يكن منفصلا في حياته عنه ، بل كان يلاحق خطواته أينما كان ، ويفرض نفسه على ذهنه ، فلا يستطيع الهروب منه أو الوقوف موقف اللامبالاة أمامه ، لأن الواقع الذي عالجه كان يتمثل في صميم حياته.
ولو نزل القرآن دفعة لما كان له هذا التأثير التربوي ، بل ربّما أهمل الكثيرون من الناس قراءته نتيجة ضغط أشغالهم ، أو وجود بعض الصوارف الخاصة التي تمنعهم من ذلك ، كما يحدث للكثيرين من الناس الآن. وهذا ما ينبغي لنا أن نتمثله في حركة الدعوة ، أو في خط الجهاد ، أو في ساحة الصراع ... فنثير القرآن في كل موقع مناسب وفي كل حالة ملائمة ، لنجعل المسيرة منطبعة بطابعه ، ومتحركة بحركته ، في سبيل الوصول إلى الشخصية القرآنية المنطلقة من مفاهيم القرآن وتشريعاته.
وهكذا أراد الله للنبي أن يقرأه على الناس بتأنّ ومهل ، ليتفهموه بهدوء ، ويعيشوه بعمق ، ويبتعدوا بذلك عن طابع السرعة والانفعال. (وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) أي أنزلناه على مهل ، وهذا هو معنى التنزيل في كتب اللغة ، وبذلك تكون الجملة توضيحا لما سبق.
* * *
تأثير القرآن وامتداد الزمن
(قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا) فلن يتوقف الأمر عليكم ليتحدّد موقع القرآن