الحق أو من ممارسته ، يشجع المنحرفين على الامتداد في خط الانحراف ، ويمنع المؤمنين من الانطلاق بقوّة في خط الإيمان ، ولذا كان القيام يمثل حركة المسؤولية في إيمانهم ، سواء كان قيامهم بين يدي ملك زمانهم دقيانوس الجبار ـ كما يقول بعض المفسرين ـ الذي يحتمل أنهم كانوا في مجلسه ، أو كان قيامهم في مجتمعهم الذي يعبد الأوثان ، ويصدر عنه الأمر بالسير على هذا المنهج ، ويجبر الناس على ذلك ... فكان قيامهم بالإعلان عن رفضهم لكل الواقع الفكري والعبادي الذي يعيشون فيه ، والدعوة إلى الله بدلا من ذلك. وربما كان المقصود ـ وهو الأقرب إلى جو الآية ـ قيامهم لله ونصرة الحق ، من دون نظر إلى المكان ، أو إلى الشخص. (فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قالوا هذه الكلمة ، ليؤكدوا الحقيقة الإيمانية التي تضع الإنسان في الدائرة الكونية الواسعة التي تشمل السّموات والأرض وما فيهن وما بينهن ، فهو جزء من هذا العالم الرحب المخلوق لله ، فلا يختص بربّ معين ليعبده من دونه ، أو ليشركه بعبادته. ولذلك لم يكتفوا بالإعلان عن هذه الحقيقة ، بل أعلنوا الرفض لفكرة كل الآلهة المدّعاة ، في شكل بشر ، أو حجر ، أو أيّ شيء آخر ... (لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً) لأن ذلك لا يمثل أيّ موقع للحق ، بل هو الباطل في أكثر من صورة ، (لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً) لو قلنا بما يقوله هؤلاء المشركون ، لكنا ـ بذلك ـ نخرج عن الحدّ المعقول للفكر ، ونتجاوز عن الحق ـ وهذا هو معنى الشطط ـ.
* * *
توهّم وجود آلهة غير الله
(هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) نتيجة ما توهموه من خلال أجواء