الموقف ، أو انحراف عن موقع الثقة بالنفس ، بل يمثل انسجاما مع طبيعة السنن الكونية للحياة التي يلتقي المؤمنون والكافرون على الإيمان بها ، وإن اختلفوا في السبب الأعمق الذي يكمن خلفها ، فالمؤمن يعيش معه الشعور برعاية الله للحياة كلها ضمن نظام دقيق حكيم ، بينما يعيش الكافر الشعور بالضياع أمام الغموض المطلق الذي يلف وجود الكون.
* * *
ذكر الله في حال النسيان
(وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) لأن ذلك هو الذي يحفظ لك خط التوازن في الموقف ، ويعينك على مواجهة الواقع من موقع المسؤولية ، ويقودك إلى التفكير المنفتح على خفايا الشك ... على أساس دراسة السلبيات والإيجابيات معا ، ومحاولة التعرّف على سبل الرشاد والضلال ، لأن التفكير بالله يجعل الإنسان واعيا لمواقع أقدامه في الطريق ، وذلك لما يمثله إحساسه بعبوديته لله من معنى المراقبة والمحاسبة لكل فكره وشعوره وخطواته العملية في الحياة ، الأمر الذي يوحي إليه بمواجهة المسألة من خلال العمق لا من خلال السطح ، انطلاقا من حسّ المسؤولية الروحية أمام الله في الدنيا والآخرة.
وهذا ما يؤكده القرآن في أكثر من آية ، في موضوع ذكر الله الذي يربط بينه وبين الالتفات إلى مصلحة الإنسان في نفسه ، بينما يؤدي نسيانه إلى نسيان نفسه ، وذلك بمقتضى التحرك في الواقع بما يشبه الغيبوبة العقلية والروحية عن العناصر الأساسية في حركة الحياة. وهذا ما يريد الله إثارته في هذه الفقرة من الآية ، فيدعو المؤمن إلى أن يذكر ربه ، فلا يستسلم للنسيان الذي تفرضه عليه الأشغال والأوضاع ، ولا يستغرق في خصوصيات الواقع الذي يستهلك فكره