الإرباك والتشويش والتشويه والتضييع ، وإبعاد الموقف عن الجدّية ، وتحويله إلى حالة من اللعب بالألفاظ ... (لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ) ويبطلوه بهذه الأساليب الملتوية الباطلة التي لا تحترم مسئولية الفكرة في الفكر ، ولا إنسانية الحقيقة في الإنسان ، (وَاتَّخَذُوا آياتِي) التي أنزلتها على رسلي (وَما أُنْذِرُوا) به من عذاب في يوم القيامة ، جزاء لكفرهم وضلالهم وطغيانهم (هُزُواً) من خلال ما اعتادوه من مقابلة المواقف الجدّية المسؤولة ، بأساليب السخرية والاستهزاء التي تعطي الجو حالة الميوعة ، لا حالة الصلابة والجدّية والثبات.
* * *
ظلم النفس بالكفر
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها) لأنه يظلم نفسه بما يعرّضها له من الضلال والضياع والعقاب والمصير الأسود ، ويظلم غيره بتوجيهه إلى ذلك ... ولعل ظلم النفس بالكفر هو أفظع الظلم ، لأنه يدلّل على عمق سيطرة الظلم ـ كمبدإ ـ على شخصيته ، بحيث لا يوفّر نفسه عن الخضوع له ، فيعرّضها للعذاب الأبدي ، بعد أن قامت حجة الحق عليه ، فأعرض عنها (وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) من الذنوب والجرائم التي تعرضه لغضب الله وعقابه ، فلم يتب إلى الله منها. وهذه هي مشكلة الكافرين في كفرهم ، حيث يغفلون عن النتائج السلبية المترتبة على طريقتهم.
(إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ) لأن الغفلة والنسيان يجعلان الإنسان يواجه الأمور بعقل لا ينفتح على الحق ، بل يعيش معه كما لو كان هناك غطاء يحجب عنه الحقيقة ، وبأذن صمّاء كما لو كان هناك ضجيج يمنع الكلمة أن تدخل إلى أعماق السمع.