(حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) أي يبلغ سن البلوغ والرشد ، باعتبارها السن الذي يشتد بها عوده ، ويقوى فيها جسده ، فإذا بلغ هذه السن ، فيجب أن يسلّم إليه ماله ، لأنه هو صاحب السلطة الوحيد على ماله ، بعد ارتفاع المانع الذي كان يمنعه من التصرف فيه من ناحية تشريعية ، وذلك بارتفاع اليتم عنه ، لأن المصطلح الشرعي لليتيم يراد به الذي لم يبلغ الحلم ، فإذا بلغ الحلم فلا يتم. وعند ذلك تنتهي مسئولية الآخرين تجاهه بصفته يتيما ، لتبدأ مسئوليتهم عنه بصفته إنسانا ضعيفا في مجالات الضعف الأخرى ، كما تبدأ مسئوليته تجاه نفسه وتجاه الآخرين.
* * *
الوفاء بالعهد وحفظ النظام الاجتماعي
(وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ) وهو الالتزام الذي يلزم به الإنسان نفسه ، من خلال مبادرة ذاتية ، أو بالتزامه برسالة أو منهج يلزمه بذلك ، فيشمل العهود التعاقدية في المعاملات المالية ، أو في العلاقات الإنسانية ، أو في المعاهدات الدولية ، أو في المسؤوليات الشرعية التي تمثل عهدا يتحرك في خط الإيمان الذي يفرض على المؤمن الالتزام بأوامر الله ونواهيه ونحو ذلك.
إن الآية تؤكد على وجوب الوفاء بالعهد ، لأن الله يريد للإنسان أن يحترم كلمته والتزاماته ، ويحترم الآخرين الذين يرتبط بهم بميثاق معيّن يتعلق بالجانب الاجتماعي التنظيمي للحياة ، في الدوائر الخاصة والعامة للناس.
وهذا خطّ إسلاميّ عام ، يراد ـ من خلاله ـ حفظ النظام الاجتماعي للناس ، وذلك بالتأكيد على عنصر الثقة فيه ، من خلال ما يفرضه من الالتزام