تفكير من يركن إلى دنياه
(وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) فلديّ المال الكثير الذي لا تملك إلا القليل منه ، ولديّ الأتباع الكثيرون ، بينما لا تجد إلا القليلين منهم معك ، فكيف تقف أمامي ، كما لو كنت في المستوى الواحد الذي أقف عليه؟ (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) لأن أفكاره خيالية لا ترتكز على أساس من الواقع ، وخطواته العملية لا تنطلق في الطريق المستقيم ، ولا تلتقي بالإيمان بالله من قريب أو من بعيد. ومضى يسير في مشيته الزاهية بالكبر والخيلاء ، وهو يعيش أحلام الخلود في ذاته وفي ملكه ، كما لو لم يكن هناك موت. (قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً) فهذه الخضرة التي تزهو بالحياة بكل جنباتها ، وهذه الينابيع المتدفقة في ساحاتها ، وهذه الأشجار الشامخة في أجوائها ... هي المظهر الحيّ على قوّة الحياة في داخلها ، مما يجعل فكرة فنائها فكرة لا تملك أيّة واقعية وأيّ احتمال.
(وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) فلا مسئولية خارج نطاق الحياة. وإذا كانت المسألة ـ كما يقولون ـ تحمل بعض الجدية ، فإن مركزي يخوّلني الحصول على موقع مميز ، تكون الآخرة فيه هي صورة الدنيا التي أتقلّب فيها على فراش النعيم ، وأتحرك فيها في مواقع المجد. (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً) لأن الآخرة تمثل المستوى الأعلى للنعيم الذي يمنحه الله للإنسان بدلا عن نعيم الدنيا.
وهكذا كانت صورة هذا الإنسان الذي يستريح للواقع الحاضر ، فلا يفكر في مفاجات المستقبل ، ولا يتعمّق في العناصر التي تحكم هذا الواقع وتحدد دوره وحجمه وامتداده. أما صاحبه المؤمن الفقير ، فتتجسّد لنا صورته الوديعة القوية في موقفه الساخر من ذلك كله ، فهو لا يعتبر الثراء قيمة كبيرة ترتفع