الإغفاءة الهادئة
وإذا جاء الليل ، فإنه يأتي بالظلام الذي تغيب فيه الأشياء عن النظر ، وتنعدم فيه كل مظاهر التمايز بينها ، فليس هناك إلا هذا السواد الذي يلف الكون كله ، حتى لتحس أنه قطعة واحدة ، لا تحمل أيّ شيء يوحي بالتنوّع ، لولا بعض الأجسام الضخمة التي تفرض ضخامتها على مواقع الإحساس ، عند ما تصطدم بها بطريقة وبأخرى. ويهدأ الكون ، لأن الحركة التي يمنحها النور للموجودات قد هدأت ، وآن للإنسان أن يستريح مع الكون ، ويأخذ لنفسه إغفاءة هادئة من أجل أن يكتسب قوّة جديدة ليوم عمل جديد ... وهكذا جعل الله الليل لباسا والنوم سباتا ، كما جعل النهار نشورا.
* * *
آيتان للتفكر
(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) كما هي الظواهر الكونية الأخرى التي يريد الله أن يجعلها منطلقا للتفكير به ، والإيمان بوجوده نتيجة ما يكتشفه الإنسان فيها من أسرار العظمة ودلائل الحكمة ، فيخشع للعظمة القادرة الحكيمة ، ويتوازن في حركته أمامها ، لتستقيم للكون حكمته بخضوع الإنسان العملي لله ، كما استقامت في خضوع الموجودات الكونية ، بحركة قوانينها لخالقها العليّ القدير.
(فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) وما يمثله من السواد الحالك المنتشر على سطح هذا الكون ، تماما كما هو السواد على الورق المتأتي مما يكتب عليه من