الهروب من الحقيقة
(وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) لأنهم لا يطيقون كلمة التوحيد التي تلاحق أفكارهم بالحقيقة الواضحة التي تفرض نفسها على الفكر والشعور ، فتكشف لهم زيف الواقع العقيدي والعبادي الذي يتحركون فيه ، فينفرون منها كما ينفر الإنسان من الأشياء التي تضغط على مزاجه ، أو تطارد أفكاره. وهذا هو حال كل شخص يخاف من الحقيقة التي لا يريد الاعتراف بها ، فيعمل على الهروب منها ، ليوحي لنفسه أو للآخرين بأنه لم يواجهها ، ليكون ذلك عذرا له في الإنكار والرفض.
(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) وهذا إيحاء من الله للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولكل داعية للحق ، في مثل ظروفه ، بأنه يعلم كل الخلفيات التي يختفي خلفها أعداؤه في ما يضمرونه في أنفسهم ، وما يهمسون به في نجواهم ، وأنه يعرّفه من ذلك ما يجهله ، بالوحي تارة ، وبالإيحاء الداخلي أخرى ، ليواجه ذلك كله بالتحفظ والاستعداد للتخطيط المضادّ. وهكذا أراد الله أن يعمّق الثقة ، في وعي النبي لدوره ، برعاية الله ، فهو أعلم بما يستمعون به من آذانهم التي ترنّ فيها الكلمة عند ما تدخلها ، وكيف تدخل وتستقر ، وما الروحية التي تكمن خلف ذلك؟ هل هي روحية الذي يستمع ليؤمن ، أو الذي يستمع ليشاغب وليحرّف الكلم عن مواضعه ، وليكتشف الأفق المظلم الذي يحرّك أشباح الحقد والسوء أمام الرسول أو الداعية؟؟
وهو أعلم بما في قلوبهم التي يستمع بها الإنسان ، بالاستماع الداخلي الذي تتحرك فيه الكلمة لتعمق فكرة ، أو لتثير شعورا ، أو لتحرك خطوة ، أو لتفكّر في خطّة مضادة ... ليدبّر المكائد وليزرع الأرض بالأشواك. وهكذا يستمع الإنسان بقلبه ، كما يستمع بأذنيه ، والله هو المطلع عليها جميعا ،