وعلاقاتها ، بل أخلدتم إلى الأرض في نظرة تائهة مشدودة إلى التراب ، بعيدة عن الآفاق العليا التي تطل بالفكر على الحقيقة الإلهية التي تشمل الكون كله ، وتحتوي الزمن كله ، وتوحي للإنسان بأن هناك سرّا يكمن خلف الحياة ، وأن الله لم يخلق الناس عبثا ، ولم يعفهم من المسؤولية ، لأن ذلك هو معنى الحكمة في خلقه وفي تشريعه. وها أنتم تواجهون الموعد المحتوم الذي وعدكم به الأنبياء ، وتقفون فيه وجها لوجه أمام الحقيقة الحاسمة التي نسيتم الاستعداد لها من خلال نسيانكم لها في الأساس.
* * *
كتاب الأعمال
(وَوُضِعَ الْكِتابُ) كتاب الأعمال ، أمام كل واحد منهم فقد دنت ساعة الحساب وإعلان النتائج ، وأراد الله لهم أن يحاسبوا أنفسهم ويحاكموها ، من خلال قراءتهم الدقيقة لما في هذا الكتاب من دقائق الأعمال التي عملوها في الدنيا. وعرفوا طبيعة الموقف ، واستذكروا ، كل ما قاموا به. (فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ) خائفين من نتائجه على أنفسهم ، لأنهم يعلمون أن العذاب ينتظر المجرمين عقابا على جرائمهم. (وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا) في ما يشبه الصراخ اليائس من النجاة ، والدهشة المذهولة من دقة التفاصيل الخفيّة (ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً) فلم يغفل حتى الأشياء الصغيرة التي قد لا يحس بها الإنسان بشكل واع ، بل يقوم بها بطريقة اللاشعور التي تدفعه إلى القيام ببعض الأعمال ، بما يشبه العادة القاهرة ، (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) أمامهم لم يغب عنهم منه شيء ، وسيواجهون الحساب من خلاله ، ولن يحاسبوا على أي شيء لم يفعلوه. (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) لأنه العادل القويّ الذي لا يحتاج إلى ظلم أحد ، باعتبار الضعيف هو الذي يظلم الآخرين ، لأنه يخاف منهم على نفسه ، فظلمه مظهر ضعف لا مظهر قوة.
* * *