شعرتم بالآمن على اليابسة التي تثبت أقدامكم في الموقع الصلب الذي تمتد صلابته إلى أعماق الأرض ، فلا مجال للخوف من احتواء الأعماق لكم في ظلامها المميت ، كما هو البحر الذي يشد الغريق إلى القعر ، ولا يعلو به إلى السطح حتى يأخذ منه حياته. وتلك هي قصة الإنسان الذي لا يشده إلى الله عمق إيمانه ، بل يربطه به خوفه من الحوادث المحيطة به ، فيحتاج إليه في خلاصه منها ، فإذا زالت الأحداث انقطعت صلته بالله. إن الإيمان لا يتنافى مع اللجوء إلى الله في حالة الخوف ، بل يؤكده ، ولكنه يريد أن يكون الالتجاء إليه مظهرا من مظاهر الإيمان ، لا مجرد حالة طارئة سريعة تأتي مع الحدث وتذهب معه ، ولا تترك أي تأثير في الداخل كما تتركه النعمة العظيمة في نفس المنعم عليه لصاحب النعمة ، بحيث يتذكره في كل وقت ، ويعترف بجميله ، ويعمل على أن يشكره بكل وسائل الشكر القولية والعملية ، لا سيما إذا كانت النعمة في حجم هذه النعمة التي تتحدث عنها الآية ، وهي إنقاذ الحياة من أخطار الموت.
* * *
الارتباط بالأمور المحسوسة
(وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً) بنعمة ربّه ، لأنه يرتبط بالأمور المحسوسة في حياته الماثلة بأشخاصها أمامه ، ولا يرتبط بالغيب الذي قد يكون حضوره في حياته أعمق من الحس المتحرك حوله. ولذا فإنه يحتاج إلى المزيد من المعاناة والتفكير والجهد في ممارسة الإيحاء الذاتي بالمفردات المتحركة في حياته في حال الخوف والأمن ، والفقر والغنى ، والراحة والتعب ... التي تربطه بالله وتوحي له دائما بحضوره ـ سبحانه ـ في حياته في الحالات الطبيعية ، لأنه السبب الأعمق في الأشياء كلها ... وتلمس ظواهر الأمن في بعض الأشياء لا يعني عدم قدرة الله على أن يثير عناصر الخوف فيها من حيث لا يعرف ، مما أودعه الله في الكون من خصائص الأوضاع المألوفة أو غير المألوفة.