تعالى : (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) [الزخرف : ٣٢].
* * *
للآخرة أكبر درجات
(وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) لأنها تتميز عن الدنيا بالأجواء الواسعة الممتدّة بما يشبه المطلق الذي جاء في بعض الحديث عن ملامحه في القرآن (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) [السجدة : ١٧] وفي الحديث المأثور عن الجنة أن فيها «بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» (١) ... إنها الموقع الإلهي الذي يتجلى فيه تكريم الله للإنسان المؤمن العامل ، جزاء على إخلاصه في إيمانه وعمله ، عند ما ينفذ الله وعده للمؤمنين الصالحين بالثواب العظيم.
وإذا كان الأمر يتعلق بتكريم للإنسان ، فإن من الطبيعي أن تختلف درجات التكريم تبعا لاختلاف درجات الإيمان والعمل ، لأن (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة : ٧ ـ ٨] مما يوحي بأن الخير هناك تابع لحجم العمل في الكمية والنوعية هنا. وهذا هو الذي تختلف فيه درجات الآخرة عن درجات الدنيا في مقياس التفضيل ، فإن التفضيل في الدنيا تابع لحاجات الحياة في عملية توزيع الأرزاق والخصائص على الأشخاص والأشياء ، بينما هو في الآخرة تابع لعمل الإنسان المؤمن الذي يستمد قوّته من الرحمة الإلهية في روح الإنسان المؤمن وحياته ...
__________________
(١) الطوسي ، أبو جعفر ، محمد بن الحسن ، تهذيب الأحكام ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت ـ لبنان ، ١٤١٢ ه ـ ١٩٩٢ م ، ج : ٦ ، ص : ٢١ ، باب : ٧ ، رواية : ٧.