لا من استسلامه لنوازعه الذاتية ، وأن الله هو الذي يحدّد للخلق مكانتهم من خلال اطلاعه على عمق السرّ الذي يتمثل في وجودهم ، بعيدا عن كل الأوضاع الظاهرة التي تميز مخلوقا عن آخر بغض النظر عن المعاني الخفيّه الكامنة في الداخل. وبذلك ضاع إبليس عن الطريق السويّ ، واختلطت المقاييس في ذهنه ، فانحرفت به عن خط الوضوح في الرؤية ، واستغرق في ذاته ، كما لو كانت تملك الأصالة الذاتية بعيدا عن كونها مخلوقة لله. ولا حظ العنصر الذي وجد منه وهو النار ، والعنصر الذي صنع منه آدم وهو الطين ، ففضل عنصره من دون التفات إلى أن الذي أودع الخصائص في النار هو الذي أودع الخصائص في الطين ، وعرف سر الذات في كل منهما ، فهو الذي يحدد مواقع الفضل في هذا أو ذاك ، لا المخلوق الذي لا يملك من المعرفة إلا ما عرفه الله.
* * *
عقدة الانتقام
(قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) أي كيف أسجد لهذا المخلوق الذي لا يملك أيّ تفوّق عليّ في عنصره ، وهو الطين. وتعاظمت الكبرياء في ذاته ، وتحركت العقدة في نفسه ، وحاول أن ينفّس عن هذه الحالة النفسية المعقّدة ، بعد أن يحصل على الخلود في الأرض ، ما دامت الحياة فيها ، فأعلن خطته الشريرة في الانتقام من هذا المخلوق ، الذي سيكون له ولأولاده شأن في هذه الأرض ، وذلك بالانتقام من أولاده. (قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) أي أخبرني عن هذا المخلوق الذي فضَّلته عليّ ، كيف كرَّمته عليّ وأنا في المستوى الأعلى بالنسبة إليه. (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ) أي لأستأصلنهم بالإغواء ، وبذلك أبعدهم عن رحمتك ، وأنزلهم عن هذا المستوى الذي رفعتهم إليه ، وأردتهم أن يديروا به الأرض من خلال وحيك ، وأن