تواجه المسؤولية من جميع الجهات ، لئلا تنحرف به النظرة الخاضعة للجانب الواحد عن النفاذ إلى القاعدة الّتي تحكم الخط الشامل للشريعة ، كما يفعل بعض المؤمنين الذين يفهمون الإسلام من خلال نصوص الزهد دون مقارنتها بنصوص المسؤولية عن حركة الحياة من حوله ، ونصوص الرخصة في الطيبات ، مما يجعل من الزهد أداة لخدمة الحركة لا وسيلة لتجميدها ، أو الذين يدرسون أحاديث استحباب العزلة عن الناس ، بعيدا عن الأحاديث التي تؤكد وجوب هداية الناس ورعاية أمورهم وقضاء حوائجهم أو استحبابها ، مما يجعل من العزلة حالة استثنائية تتحرك في نطاق الحاجة إلى التأمّل والانفصال عن المجتمع في وقت ما ، لحماية روحيته من الانحراف ، وتصوراته من الخطأ ، وخطواته من الزلل.
* * *
القرآن والدعوة إلى اعتبار العقل أساس المعرفة
وقد نلاحظ هذا الخط الأقوم في القرآن ، في ما دعا إليه من اعتبار العقل أساسا للمعرفة في العقيدة وحركة الحياة ، من حيث هو رسول داخليّ ، ورأى فيه الحجة على الإنسان وللإنسان ، في كل خطوات المسؤولية ، وأكد عليه كأساس للوعي الفكري والروحي لديه.
ثم نلاحظ الدعوة إلى العلم كمنطلق للإيمان والحركة والحياة ، فالقرآن أكّد على أن مشكلة الانحراف في حياة الإنسان تكمن في الجهل ، واعتبر أنّ العلم هو القيمة التي تميز الناس عن بعضهم البعض ، ورفض التسوية بين من يعلمون ومن لا يعلمون ، وأراد للإنسان أن يقرأ كل ما ينمّي فيه طاقة المعرفة ، أو يفتح آفاقه على الجوانب الخفيّة للكون ، وأن يكتب كل ما يستفيده في ذلك