وأحس موسى عليهالسلام بالحرج الشديد لمخالفته ، له للمرة الثانية ونكثه بالعهد ؛ (قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي) لأني لن أكون أهلا لمرافقتك ، باعتبار أن مسلكي يمثل عدم الانضباط أمام الكلمة المسؤولة التي التزمت بها أمامك. (قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً) فقد أعذرت إليّ في ما قدمته لي من شرط ، وما حذّرتني منه من ضعف. ووافق العبد الصالح على الاستمرار معه ، وبدأ الدرس الثالث ، ليواجها تجربة جديدة.
* * *
درس موسى الثالث
(فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها) ، فقد كانا جائعين ، (فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما) لأنهم كانوا من البخلاء الذين لا يستقبلون الضيف ولا يكرّمونه. وحانت منهما التفاتة (فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) وينهدم ، إذ كان مشرفا على السقوط والانهدام ، فبادر العبد الصالح إلى القيام بجهد كبير لتثبيته وإقامته. ولم يعجب هذا العمل موسى عليهالسلام ، لأنه ـ في غمرة إحساسه بالجوع وابتعاد أهل القرية عن الموقف الإنساني معهما ـ يرى أنّ من الممكن الاستفادة من هذه الفرصة لطلب الأجرة من أصحاب البيت ، للحصول على الغذاء بسبب ذلك. (قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) فلا يذهب جهدك هباء ـ بدون عوض ـ لأنهم لا يستحقون الإكرام ، إن كنت تستهدف الخير المحض من خلال ذلك.
ونفد صبر العبد الصالح ، ولم يستطع موسى عليهالسلام أن يقدم اعتذاره ويطلب الاستمرار معه ، لأنه قد أخذ على نفسه عهدا جديدا بعدم مصاحبة العبد الصالح إذا عاد إلى سيرته الأولى في الاعتراض عليه ، وها هو يعود إلى