فكرة للتأمل
وقد يثأر في هذا المجال الحديث المأثور الذي يقول : «العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم» (١) .. والكلمة المأثورة عن الإمام علي عليهالسلام في نهج البلاغة : «الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم. وعلى كل داخل في باطل إثمان : إثم العمل به ، وإثم الرضا به» (٢). فقد يرى فيه البعض انحرافا عن المفهوم الذي نستوحيه من الآية في فردية المسؤولية ، لأن اعتبار الراضي بالظلم أو بالعمل المنحرف شريكا للظالم والمنحرف ، يعني تحمل البريء ذنب المجرم.
ولكن التأمل البسيط في المسألة لا يوحي بذلك ، فإن الرضا عبارة عن مشاركة ولو على المستوى النفسي في عملية الظلم ، والإسلام يريد اقتلاع الظلم من جذوره الفكرية والشعورية ، مما يجعل من الرضا بالظلم جريمة معنوية داخليّة ، تشوّه روحية الراضي ، وتعده ليكون مشروع ظالم مستقبلي ، من خلال ما يمثله الرضا من اعتبار الظلم لديه حالة طبيعية لا تثير في فكره أية حالة سلبيّة مضادة ، بل تثير حالة شعورية إيجابية ، الأمر الذي يجعله يمارس الظلم لدى أوّل فرصة للقوّة تمكنه من الظلم ، كما أنها تحقق للظالم حماية معنوية تحرس له ظلمه ، إذ إنها تحيطه بالمشاعر الحميمة التي تقوي نفسيته وتدعم موقفه. وهذا ما عبر عنه الإمام علي عليهالسلام في نهج البلاغة حيث قال : «إنما يجمع الناس الرضا والسخط. وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد ، فعمّهم الله بالعذاب لمّا عمّوه بالرضا» (٣).
__________________
(١) الكليني ، الكافي ، ج : ٢ ، ص : ٣٣٣ ، رواية : ١٦.
(٢) ابن أبي طالب ، الإمام علي (ع) ، نهج البلاغة ، ضبط نصّه : د. صبحي الصالح ، دار الكتاب اللبناني ، ط : ٢ ، ١٩٨٢ م ، قصار الحكم : ١٥٤ ، ص : ٤٩٩.
(٣) (م. ن) ، خطبة : ٢٠١ ، ص : ٣١٩.