يدخلها ، ولكن ذلك لا يعني ـ في أيّ حال ـ أن الله يسمح للعبد أن يستغل ذلك في السير مع خط الضلال من جديد ، أملا في أجواء الرحمة. (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا) لأن الإفساد الجديد لن ينتج إلا دمارا جديدا لا ينتهي في الدنيا ، ولكنه ينتهي إلى الآخرة (وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً) تحصرهم فلا يفلت منهم أحد.
* * *
حادثتان مدمرتان
وقد يتحدث المفسرون عن الجانب التاريخي للواقع التطبيقي لما أشار إليه القرآن من حالتي الإفساد اللّتين عاشهما بنو إسرائيل ، وحالتي التدمير اللتين حلّتا بهم ، فيذكرون أن هناك أكثر من حالة هجوم عليهم في تاريخهم السحيق ، ولكن هناك حادثتين بارزتين ، كانتا مدمّرتين لوجودهم وكيانهم ، وإحداهما الهجوم الذي قام به الملك البابلي «نبوخذ نصر» ـ قبل الميلاد بستة قرون ـ «وكان ملكا ذا قوّة وشوكة من جبابرة عهده ، وكان يحمي بني إسرائيل فعصوه وتمردوا عليه ، فسار إليهم بجيوش لا قبل لهم بها ، وحاصر بلادهم ، ثم فتحها عنوة ، فخرّب البلاد ، وهدم المسجد الأقصى ، وأحرق التوراة وكتب الأنبياء ، وأباد النفوس بالقتل العام ، ولم يبق منهم إلا شرذمة قليلة من النساء والذراري وضعفاء الرجال ، فأسرهم وسيّرهم معه إلى بابل ، فلم يزالوا هناك لا يحميهم حام ، ولا يدفع عنهم دافع طول زمن حياة نبوخذ نصر وبعده زمانا طويلا ، حتى قصد كسرى كورش أحد ملوك الفرس العظام بابل وفتحها ، وتلطّف على الأسرى من بني إسرائيل ، وأذن لهم في الرّجوع إلى الأرض المقدسة ، وأعانهم على تعمير الهيكل ـ المسجد الأقصى ـ وتجديد الأبنية ، وأجاز لعزراء أحد كهنتهم أن يكتب لهم التوراة ، وذلك في نيف وخمسين