لأن المسألة في المفهوم القرآني هي أن يكون الخط العملي منطلقا من الخط الروحي والخط الفكري الإيماني ، ليكون له جذوره الضاربة في أعماق النفس الإنسانية.
* * *
رحمة شاملة
(فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) فإن الله يشكر للمؤمن الذي يريد الحصول على رضاه في الدنيا والآخرة ، ويعمل في سبيل ذلك بكل ما يملكه من جهد وطاقة وإيمان ، ويعطيه من فضله ما يريد دون تحديد ، لأن الجزاء هنا يلتقي بالعمل ، فلا ينقص حجمه عنه ، بل قد يزيد عليه ، إذ يمنح الله الإنسان فضلا يضاعف له فيه الثواب العظيم.
(كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ) الذي يمنح عباده العطاء الجزيل الذي يريدونه من شؤون الدنيا والآخرة ، وذلك رحمة منه تشمل المؤمن والكافر والمطيع والعاصي ، بعيدا عن موضوع الاستحقاق المؤسّس على قاعدة العمل ، لأن رحمته تنطلق من قاعدة التفضّل التي تحركت الحياة كلها من خلالها ، تماما كما هي الشمس تطلع على البر والفاجر ، وكما هو المطر يهطل على الأرض الخصبة والأرض الجديبة ، وكما هو الينبوع يتدفّق من طبيعة العطاء في ذاته. إنه العطاء الإلهي الذي يتدفق وينهمر ويمتدّ بالرحمة على أساس الحكمة ، ناهيك عن أن الله سبحانه وتعالى يربي عباده بالرحمة في نعمه ، كما يربيهم بالنقمة في عذابه.
(وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) في طبيعته ، وفي مواقعه لدى الحياة والإنسان.
* * *