في علمه ، فهو المطّلع على كل شيء مما يضمرونه أو يظهرونه ، كما أحاط بهم في قدرته ، فهو المهيمن على وجودهم كله ، فلا يستطيعون التحرك ، بمقدار شعرة ، بعيدا عن سيطرته ، ولا يتمكنون من الهروب من ملكه.
وقد كان من حكمة الله أن يختبر الناس ، ويفتنهم بما يكون محلا للأخذ والرد والنفي والإثبات ، سواء في ذلك الحوادث التي تحدث في ساحتهم ، أو الظروف التي تضغط عليهم ، أو الأجواء التي يثيرها في وجدانهم ، من خلال ما يلقيه إلى النبي من كلمات أو ما يريه من منامات ، ليحدّث بها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الناس ، فيختلفون حولها. وهكذا يريد الله أن يجعل الرؤيا التي أراها له فتنة للناس ، كما هي الشجرة الملعونة في القرآن ، ولكن الناس لا يواجهون ذلك بمسؤولية ، في ما يفرضه المصير من تأمّل وتبصّر واستعداد ، فلا يخافون الله ، بل يزدادون تمردا وطغيانا من خلال أجواء اللامبالاة التي يواجهون بها أمر الله سبحانه.
* * *
وجوه في تفسير الرؤيا والفتنة
ولكن ما هي هذه الرؤيا التي رآها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم؟
ذكر صاحب مجمع البيان عدة وجوه في تفسيرها :
أحدها : أن المراد بالرؤيا رؤية العين ، وهي ما ذكره في أوّل السورة من إسراء النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم من مكة إلى بيت المقدس وإلى السموات في ليلة واحدة ، إلا أنه لما رأى ذلك ليلا وأخبر بها حين أصبح سمّاها رؤيا ، وسمّاها فتنة ، لأنه أراد بالفتنة الامتحان وشدّة التكليف ، ليعرّض المصدّق بذلك لجزيل ثوابه والمكذّب لأليم عقابه.