الموقف من طلب المشركين للمعاجز
(وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) ظاهر هذه الفقرة من الآية ، أن الله ـ سبحانه ـ كان يرسل الأنبياء بالآيات المعجزة التي تخرق المألوف ، في ما يقترحه الناس عليهم ، أو ما لا يقترحونه ، ولكن تلك الأمم السابقة ، كذّبت بهذه الآيات ، مما جعلها لا تؤدي المهمّة التي أرادها الله من تخويف الناس والضغط عليهم لمصلحة الإيمان به وبرسله ، وذلك لما تثيره في نفوسهم من الأجواء الروحية التي تدفعهم إلى الاهتمام والتفكير بالمسألة الإيمانية من موقع ثابت ، الأمر الذي أدى إلى أن يرسل الله نبيّه محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم بالقرآن ، الذي يخاطب في الإنسان عقله وفكره ووجدانه ، ليفهم طبيعة الإيمان ويقتنع بها ، من خلال التفكير الذي يتلمس الأسلوب والمضمون ، في ما يكتشفه من الإعجاز القرآني ، ومن الحقائق الإسلامية الرسالية ، ولهذا لم يستجب لمقترحات قريش على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من تفجير الصخور إلى ينابيع ، ومن تحويل الصحراء إلى جنات ، ومن الصعود إلى السماء ، ومن إنزال الكتاب السماوي بطريقة خارقة للعادة ، لأن ذلك لن يحقق أيّة نتيجة ، ما داموا لا يملكون إرادة الإيمان التي تدفعهم إلى دراسة الوسائل الفكرية والعملية الموصلة إليه ، ولهذا فإنهم يواجهون المسألة من خلال أسلوبين في الرفض ، فإذا استجاب النبي لهم ، فإنهم سيعتبرون ذلك سحرا وإذا لم يستجب لهم ، فإنهم سيرون في ذلك دليلا على عجزه وابتعاده عن مقام النبوّة.
ولكن ، إذا كانت الآيات مرادفة للتكذيب من قبل الكافرين ، فإن معنى ذلك أنها عديمة الفائدة ، فكيف أرسلها الله عليهم ولم يمنعها عنهم ، كما منعها في نهاية المطاف ، لأن ما يكون سببا للمنع لاحقا ، لا بد من أن يكون كذلك في السابق ، لأن المحذور مشترك بين الزمانين ، أو الحالتين.