الحالات الصعبة جدا التي لا مجال فيها للتخلص من الاضطهاد السياسي إلا بهذه الطريقة ، مما يفرض الاحتياط التام والاقتصار على مواطن الضرورة القصوى التي تحمل الأهمية الكبرى التي يصغر أمامها كل شيء ، حتى لا يتحول الأمر إلى ما يشبه الأسلوب السياسي العملي للمسلمين.
* * *
العذاب بعد إقامة الحجة
الحقيقة الثالثة : وتمثلها الفقرة الآتية : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) وخلاصتها أن الله لا يعذب أحدا من الناس إلا بعد أن يقيم الحجة عليهم بإرسال الرسل الذين يبلغونهم رسالات الله (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) [الأنفال : ٤٢] وهذه قاعدة عامة يؤكدها الحكم العقلي الفطري في القاعدة المعروفة «قبح العقاب بلا بيان». وقد لاحظ البعض أن الآية تتحدث عن حالة تاريخية في ما كان ينزله الله من عذاب دنيويّ على الكافرين به وبرسله ، ولا تتحدث عن طبيعة المسألة على سبيل القاعدة الكلية ، ولكننا نلاحظ على ذلك أن أسلوب هذه الآية يوحي بأن هذا الأمر مما لا يليق بالله أن يفعله ، لأنه لا ينسجم مع عدالته ورحمته ، مما يجعل المسألة منطلقة على سبيل القاعدة.
وقد ذكر الأصوليون ، بأن بعث الرسول كناية عن إقامة الحجة في ما تتوقف فيه المعرفة على إرسال الرسول. أما بخصوص ما يستقل به العقل ويتمكن من الوصول إليه بوسائله الخاصة من خلال أدوات المعرفة الحسية أو غيرها ، فإن الله يعتبر العقل حجة على الإنسان. وقد ورد في بعض الأحاديث المأثورة أن العقل هو «الرسول الباطني» وأنه «رسول من داخل ، كما أن