الهداية والضلال من الله
(وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) وهذا هو الذي فتح قلبه للرسالة ، ففكر فيها وواجهها بالجدّية الفكرية التي تعالج الأمور من موقع الفكر المسؤول ، مما يجعله موضعا للطف الإلهي بالتأييد والتسديد والهداية ، لأن السنّة الالهية قد جرت على أساس أن الإنسان إذا سار في طريق الحق ، فإن الله ييسّر له سبل الوصول إليه ، ويفتح له الآفاق الرحبة لذلك ... وبذلك كانت الهداية من الله ، من خلال عناصرها الذاتية في شخصية الإنسان ، ومن خلال ما أعده الله من وسائلها ، وما أمدّه الله به من ألطافه الروحية والفكرية ... (وَمَنْ يُضْلِلْ) ، فيوكلهم إلى أنفسهم ، بعد أن اختاروا طريق الضلال ، فلم يعطوا الفكر حقّه من التأمل والبحث ، بل اتبعوا أهواءهم في ممارسة قضايا العقيدة من دون مسئولية ، فضلّوا عن الطريق وتركهم الله لضلالهم ، (فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ) ـ أي من دون الله ـ لأن الله هو الذي يملك القوة ، ولا يملكه غيره ، وسيواجهون المصير الأسود المحتوم ، والصورة البشعة التي يتمثلون بها يوم القيامة ، كتجسيد للحالة التي كانوا عليها في الأرض في الامتناع عن استخدام أسماعهم وأبصارهم وألسنتهم في سبيل المعرفة ، مما جعلها غير ذات موضوع في حركة الشخصية في حياتهم ، (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً) لأن عيونهم لم تنفتح على مظاهر عظمة الله لتقودهم إلى الإيمان بتوحيده. (وَبُكْماً) لأن ألسنتهم لم تتحرك للسؤال عن طبيعة القضايا التي أثارتها الرسالات ، في ما أثارته من مبادئ وتفاصيل ، (وَصُمًّا) لأنهم أغلقوا أسماعهم عن الاستماع إلى آيات الله وكلمات الرسول ، فكأنهم لا يملكون ذلك كله.
* * *