بناء المسجد عليهم للعبرة
(قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ) واستطاعوا أن يجعلوا الموقف لصالح قرارهم ، وهم الذين عاشوا معنى الإيمان في شخصية هؤلاء ، وانفتحوا على القيمة الروحية المتمثلة في تاريخ مواجهتهم للسلطات الكافرة في زمانهم وتحدّيهم لمفاهيمها ، وفرارهم أخيرا بدينهم ، حتى لا يفقدوه أمام الضغوط الصعبة ... فأرادوا أن يستلهموا ذلك في عملية تذكّر ، وفي حالة اعتبار ، وفي موقف يقظة ، ليعيشوا مع هذه الروح ومع حركة القيمة ، وفي رحاب ذلك التاريخ ، لئلا تكون مدافن هؤلاء ، مجرّد موقع للسياحة واللهو والزّهو التاريخي للأمة ، بل لتكون نقطة انطلاق لارتباط الحاضر والمستقبل ـ في حركة الإيمان ـ بالماضي الذي يحتضن الإيمان كقوّة في الفكر والروح والموقف ... وهكذا قرروا ماذا يصنعون ، فقالوا : (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) ليحمل المكان معنى المسجد في استلهام الروح ، من خلال روحيتهم واستذكار الثبات من خلال ثباتهم ، والانفتاح على الله على أساس ما كانوا ينفتحون بحياتهم عليه. وهكذا انطلق تاريخ هؤلاء ليتمثل فيه الناس تاريخ الإيمان ، ومعنى السجود لله والعبادة له.
* * *
جدال تافه
ومرّ التاريخ ، وبدأ الناس يتناقشون في أمور لا فائدة فيها ولا غنى ، بينما كان من المفترض أن يكون نقاشهم في دراسة تجربتهم ، وموقفهم ، وطبيعة الدرس الذي يمكن استفادته للمستقبل ... وهذا هو ما يفعله التخلّف في حياة الناس ، عند ما يتجمدون في مسألة المعرفة على الأمور التافهة التي لا تمثل