بين الاستغراق في اللحظة واستيعاب المستقبل
(قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) لأن تعاملي مع الأشياء يختلف عن تعاملك وتعامل الآخرين معها ، لأني أنظر إلى أبعاد القضايا في العمق على مستوى حركة الزمن في المستقبل ، بينما تنظرون إليها من خلال اللحظة الزمنية الحاضرة ، والسطح الظاهر منها. وبهذا كانت نظرتي إلى الأمور من خلال نهاياتها ، أما نظرتكم إليها ، فمن خلال بداياتها. وهذا هو سرّ المسافة بين النظرة الشاملة الكلية للحياة ، وبين النظرة المحدودة الجزئية لها من خلال ما تمثله المسافة بين البداية والنهاية. ولهذا فمن الصعب أن يصبر الفريق الذي ينظر إلى القضايا من مسافة قريبة على الفريق الذي ينظر إليها من مسافة بعيدة.
(وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً) مما قد ترى فيه انحرافا عن الموازين ، التي تزن بها الأمور على أساس ما تراه قاعدة للشرعية أو ما تتصوره منسجما مع طبيعة الواقع الذي تخضع في تقييمك له لرؤية معينة ، الأمر الذي يجعلك تنتفض وتحتج وتستثير فضولك لتطرح السؤال تلو الآخر لتتعرف على طبيعة المسألة ، أو لتسجل عليها نقطة احتجاج. وهذا أمر لا غرابة فيه ، لأن الإنسان الذي ركّب تكوينه على أساس غريزة الفضول ، في ما أراده الله من إثارة قلق المعرفة في ذاته كسبيل من سبل الحصول عليها ، أو الذي يملك قاعدة معينة للتفكير قد تختلف عن غيره ، لا بد له من أن يعبّر عن موقفه بطريقة متوتّرة لا تملك الصبر على ما يواجهه من علامات الاستفهام ، أو على ما يراه من مظاهر الانحراف ... ولكن موسى عليهالسلام يصرّ على الحصول على شرف مرافقته ، لأن الله يريد له ذلك ، فهو مأمور باتباعه.