السياسية أو الاجتماعية التي تريد أن تؤكد امتدادها في الساحة ، توحي للآخرين بأساليب المودّة الحميمة من أجل تقديم بعض التنازلات هنا ، وبعض المواقف هناك ، ليكون ذلك سبيلا للاستفادة منهم في بعض المواقف والأهداف ، باعتبار أن الأجواء الحميمة تستطيع أن تحقق للإنسان ما لا تحققه الأجواء الفكرية من نتائج على صعيد الأهداف. وهذا ما يجب أن يتنبّه له العاملون في سبيل الله ، لأن هؤلاء لن يفتحوا قلوبهم لهم حتى يكونوا معهم في كل شيء ، ولن يحصلوا منهم على شيء بهذه الطريقة.
* * *
ماذا توحي لنا الآية؟
وقد نستطيع استيحاء قاعدة عامة من أجواء الآية ، وهي أن الإسلام لا يريد للمسلم أن يفكر بالصداقة بطريقة ذاتية ، بل يريد له أن يفكر بها ويمارسها على أساس اتصالها بالخط الفكري والعملي له ، بحيث لا تؤثّر عليه تأثيرا سلبيا من أيّة جهة كانت ، لأن الله يريد من المؤمن أن يخلص له ولرسوله ولدينه ، أكثر من إخلاصه لأي شخص ، فالإيمان يتحرك في الجانب الشعوري من شخصية الإنسان ، كما يتحرك في الجانب العقيدي والعملي لديه.
(وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) إنها العصمة الإلهية التي وضعت في شخصيتك الخصائص الفكرية والعملية التي تمنعك من التأثّر بأيّة حالة من حالات الخديعة والإغراء والانحراف ... ولولاها لكان لهذه الأساليب ، التي أثاروها أمامك ، تأثير كبير على شخصيتك كإنسان ، لأن الإنسان يتأثر بالأساليب العاطفية التي تخاطب فيه العاطفة ، وتثير لديه حالات الانفعال. ونلاحظ أن الآية عبّرت بكلمة «كدت» التي تعني القرب والدنوّ ، مما يوحي بأن الثبات سابق عليها ، وأن المسألة تتصل بالأسلوب في قرب التأثير.