كيف نفهم تفضيل الله للناس ، بعضهم على بعض؟
(انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) في الرزق من خلال الخصائص التي أودعها الله فيهم ، وميّزهم بها من قدرة في الفكر والقوّة والحركة والظروف المحيطة بهم ، فإن الحياة لا يمكن أن تنمو وتتنوّع وتتطوّر إلا باختلاف مواقع الإنسان وتنوّع درجاته ، لتتكامل في خصائص القوة التي تتوزّع على الأشياء والأشخاص ، فيعطي هذا من قوّته للآخر ، وتتفاعل خصائص هذا بخصائص ذاك. ومن هنا نستطيع أن نقرر الفكرة التي تقول : إن التفضيل في الدرجات في الحياة لا ينطلق من تفضيل في القيمة ، ليعيش الإنسان الذي يملك الدرجة العليا الإحساس بأن ذلك تكريم من الله له ، ويعيش الإنسان الذي يقف في الدرجة السفلى الإحساس بأن ذلك تحقير من الله له ، فإن هذا الشعور لدى هذا أو ذاك ليس دقيقا ، فقد يكون صاحب الدرجة السفلى في الرزق أقرب إلى الله من صاحب الدرجة العليا ، بل ينطلق التفضيل من الحكمة الإلهية في توزيع حاجات الحياة على الناس والمواقع والأشياء وفق الخصائص الذاتية التي تتميز بها الموجودات. وبذلك يكون حال الإنسان المتميز في النعم التي يغدقها الله عليه ، كحال الأرض المتميّزة بالخصب ، والشجرة الحافلة بالشهيّ من الثمر. ولو أنّ الله أعطى الناس ما يستحقونه ، لاختل نظام الحياة التي لا يمكن أن تجتمع حاجاتها وخصوصياتها في موقع واحد أو في مواقع محدودة ، لأن المطلق لا يمكن أن يتحقق في المحدود.
وخلاصة الفكرة ، أن التفاضل في درجات الحياة لا يعني إعطاء الامتيازات لأفراد معينين أو جماعات معينة ، بل يعني توزيع الخصائص تبعا لحاجات الحياة ، فهي تابعة لحاجة الواقع ، لا لقيمة الذات. وهذا ما نستوحيه من الآية الكريمة التي تعلل التفاضل في الدرجات في بعض مواقعه بقوله