المنطق الساذج
كيف يفكر هؤلاء؟ هل لديهم أفكار عميقة تواجه العقيدة بالبراهين المضادّة؟ وهل يعيشون مسئولية الفكر ، بعمق النظرة إلى القضايا ، ووضوح الرؤية إلى الأشياء؟
ليس هناك إلا مواجهة الحقائق ، بأنها لا تنسجم مع المألوف الذي عاشوه في حواسّهم وتجاربهم. وما ذا لدى الألفة من حجة تواجه بها العقل القاطع في الفكر الذي يمثله؟!
(وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) وهذا هو المنطق الساذج الذي يخاطبون به عقيدة الآخرة في موقف رافض ، فتقادم الزمن بعد الموت يحوّل الجسد إلى عظام ورفات جامد لا أثر فيه للحياة ، فلا نبضة ولا حركة ، فكيف يمكن أن تدب الحياة فيه ، لينبض من جديد ويتحرك؟! إن هذا لشيء عجيب يشبه الخرافة ، فكيف يتحوّل إلى عقيدة أو إيمان؟ ولكن المنطق القرآني يثير المسألة بأسلوب التحدي الذي يصعد المسألة : (قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً) في ما يتميزان به من الصلابة والشدّة والخلوّ عن كل أثر للحياة ، (أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) مما تشاهدونه أو تسمعون به. كونوا كما تشاؤون أن تتصوروا أنفسكم فيه ، وتبدّلوا في أية صورة من الصور ، فليست المشكلة كامنة في طبيعة الشكل الذي تتمثل فيه الحياة أولا ، ثم تموت ، لتعود من جديد في عملية البعث الأخروي ، بل هي مشكلة القدرة التي تملك سرّ الحياة في البداية ، وفي النهاية ، (فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا) في سؤال ساذج يتحرك في حجم اللحظة ، لا في عمق الفكرة. وتلك هي مشكلة الكثيرين ممن يتحرّكون في العقيدة ، بعيدا عن الأسس الفكرية التي ترتكز عليها في محاكمة واعية عميقة للشبهات التي تحيط بالمسألة ، واستنتاج دقيق للمضمون.
* * *