فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من قبلهم من الأمم. قال : لا ، بل أستأني بهم. فأنزل الله : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) (١).
* * *
النبوّة الخاتمة تفرض آية مختلفة
وهناك توجيه آخر ، ربّما لا يكون بعيدا عن جو الآية ، وهو أن نبوّة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هي النبوّة الأخيرة في تاريخ الإنسان ، فهي خاتمة النبوات ، كما أن محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم هو خاتم الأنبياء. وهذا ما يفرض أن لا تكون الآيات هي الأساس الذي يرتكز عليه التحدّي وينطلق منه الإيمان ، لأن ذلك مما يذهب بذهاب الآية التي تتضمن عنصرا مؤقتا محدودا ، الأمر الذي يؤدّي إلى لغويّة إرسال الآية وعبثيّته ، لأن الساحة لا تملك آية جديدة تعمل من أجل تجربة جديدة للإيمان ، بينما كانت الخطة تفرض الاستمرار للعنصر الحيّ الذي يغذي الساحة بالإيمان في كل مرحلة وجيل ، مهما كفر الكافرون وكذب المكذبون ، كما هو الحال في القرآن الذي يلتقي مع الخط الفكري القائم على العقل والوجدان في هداية الناس إلى الله ـ سبحانه ـ في كل خطوط الإيمان المتنوعة في الحياة.
أمّا في الأزمنة السابقة ، فإن الآية التي يرسلها الله مع الإنذار بالعذاب تؤدي دورا معينا بالنسبة إلى الأمة التي تعيش في ذلك الزمن ، كما تؤدي دورا تحذيريا بالنسبة إلى الأمم القادمة في مراحل النبوّات المتأخرة.
إننا نستقرب مثل هذا التوجيه في فهم الآية ، وربما كان أقرب من
__________________
(١) السيوطي ، جلال الدين ، الدّر المنثور في التفسير بالمأثور ، دار الفكر ، ١٩٩٣ م ـ ١٤١٤ ه ، ج : ٥ ، ص : ٣٠٦ ـ ٣٠٧.