حروف ، ويجيء النور ليمحو كل ذلك السواد ، لترجع صفحات الكون بيضاء نقيّة لامعة. (وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) من خلال ما يمثله البصر من حركة النور في الأحداق ، فكأن النهار هو الذي يبصر ، في ما يحتضنه من حركة الشروق التي تمنح العيون معنى الإبصار بما تزيله من غشاوات الليل التي تمنع الرؤية. (لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) بما يفتحه الله لكم ـ من خلال النهار ـ من أبواب الرزق في مختلف مجالات الحياة ، وذلك هو فضل الله الذي يمنحه لعباده من تهيئة الأسباب الطبيعية لامتداد الحياة واستمرارها في ما تحتاجه من غذاء وشراب وكساء وما إلى ذلك من الشؤون العامة والخاصة.
* * *
التكامل بين الكون والإنسان
(وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) وهذه حكمة أخرى يستفيدها الناس من نظام الليل والنهار ، فإن كل واحد منهما يمثل فاصلا زمنيا يحدد للإنسان حجم الزمن ، ويجعل له نوعا من التمايز العددي ، الذي يمكن أن تتعدد فيه السنون وغيرها من الأزمنة والأوقات ، وبذلك يمكن للناس أن ينظموا حساباتهم في حركة العمر والمواعيد والأوضاع المختلفة في كل شؤون الحياة. وهكذا ينطلق هذا النظام الكوني لينظّم للناس طريقتهم في الحياة وليحصلوا على منافع كبيرة وخير عظيم. وتلك هي قصة التكامل بين الكون والإنسان ، في ما يريد الله أن يسخّره له من خصائص الوجود التي تنمي له وجوده وتبني له حياته ، وما يريد الله منه إلا أن ينسجم في حركته مع حكمة الله في الكون لئلا يفسد نظامه بعبثه وانحرافه وتمرده.