بين إسقاط الطاغوت وإقامة العدل
(فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ) فيزعجهم في رزقهم وفي أنفسهم وفي كرامتهم ، ليعيد إحكام تأثير سطوته عليهم. وحدثت أحداث كثيرة ، وكان الاضطهاد الكبير الذي تعاظم حتى لم يعد محتملا عند المستضعفين ، وكان موسى عليهالسلام يخطط للانتقال إلى مواقع جديدة للقوة ، حيث يتخفف فيها المؤمنون من الضغوط القاسية الصعبة. وجاء عقاب الله بطريقة غير عادية ـ كما حدثنا به القرآن في أكثر من آية ـ (فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً) ولم يبق منهم أحد. وبدأت المواقع الجديدة تفسح المجال للمستضعفين ، ليأخذوا دورهم في الحياة من جديد ، ليخوضوا غمار الحرية في حركتهم الرسالية ، وليعرفوا أن القضية ليست في سقوط الطاغوت ، بل هي في معرفة كيفية إقامة العدل في الساحة التي دمرها الظلم ، وعدم التحوّل في مواقع السلطة إلى طاغوت جديد.
(وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ) وأطيعوا الله ورسوله في ما يأمركم به وينهاكم عنه ، مما يقربكم إلى الحق ، ويبعدكم عن الباطل ... (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) في يوم القيامة ، وجاءت ساعة الحساب التي يثاب فيها المحسن على إحسانه ، ويعاقب فيها المسيء على إساءته ، (جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) أي مجموعا ملفوفا بعضكم إلى بعض ، لتواجهوا ما كنتم تختلفون فيه ، فيفصل الله بينكم في ذلك كله.
وهناك احتمال آخر ، في تفسير كلمة (وَعْدُ الْآخِرَةِ) وذلك بأن يكون المراد به «ما ذكره الله ـ سبحانه ـ في أول السورة في ما قضى إلى بني إسرائيل بقوله : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ