في العلو على الناس ، والاستكبار عليهم ، كل ذلك يولّد مشاكل وسلبيات كثيرة لهؤلاء المفسدين والمستكبرين ، وذلك لما تنتجه من آلام للناس ، وتدمير لأوضاعهم ، واهتزاز لمواقعهم ، كما تنتج ـ في مقابل ذلك ـ ألوانا متنوعة من الفساد الذاتي الذي يضعف مواقعهم الاستكبارية ، فيستسلمون لحالة استرخاء ولهو واستسلام للراحة والدّعة ، ويخضعون للأجواء التي توحي لهم بالأمن والسلام ، بينما تتحفّز القوى الأخرى المضادّة للاستفادة من ذلك الواقع كله في ظلم المستكبرين وتململ المستضعفين ، فتأتيهم الهزيمة من حيث لا يشعرون ، فلا يستطيعون دفاعا ، ولا يملكون ثباتا في أيّ موقف أمام الثورة الهائجة التي تدمر كل شيء من حولهم وتقضي عليهم.
* * *
التدخل الإلهي وقانون السببية
وتلك هي سنّة الله في الحياة ، في ما أودعه في الكون من سننه في قوة الأمم وضعفها وحياتها وموتها ، ولم يميز الله المؤمنين عن بقية خلقه في هذا القانون الاجتماعي الكوني ، بل أراد لهم أن يسيروا كما يسير الناس ، ليحصلوا على النتائج السلبية بسبب ما يتحركون فيه من فساد ، أو على النتائج الإيجابية بسبب ما يمارسونه من صلاح ، وبذلك لا يكون تدخّل الله في المسألة بشكل مباشر ، بل يكون تدخلا بطريقة غير مباشرة ، من خلال ما أودعه في الحياة من قانون السببية الذي يربط بين المسبّب والسبب ، والنتائج ومقدماتها ... ولكن الله ينسب كل شيء إلى نفسه ، للإيحاء بأنه السبب الأعمق وراء كل سبب ، والقوّة المهيمنة على كل ظاهرة ، ولتأكيد جانب التوحيد في مواجهة عقلية الشرك ، التي قد تنسب الكثير من الظواهر إلى غير الله ، مما يشرك به الناس في