شهوات اللحم والدم التي تبتعد بالناس عن خط التوازن في النظرة إلى الأشياء ، ثم هناك انفعالات الفكرة الشوهاء التي تثير فيهم الغرور ، وتدفعهم إلى العصبية ، وتقودهم إلى العدوان ... وهكذا عاشوا لعنة المستقبل الذي سيصنعون شروره بأيديهم ، وسيسقطون في هزائمه بتصرفاتهم. وسينتظرون أن تحل بهم اللعنة مرتين ، لأن الفساد الأكبر سيتكرر بهذا المستوى.
* * *
عقاب الدنيا والاخرة
وبدأت التفاصيل (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) فتمردوا على الله ، وتجبروا على العباد ، وبغوا في الأرض بغير حق ، وأكثروا فيها الفساد ، وضجت البلاد منهم (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) يملكون القوة والسلطة والمنعة ، (فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) وتخللوا فيها واستباحوها ، فقتلوا من قتلوا منهم ، ونهبوا ما نهبوا منها ، ودمروها تدميرا ... (وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً) لا بد له من أن يتحقق بأسبابه الكونية ، وبإرادة الله الذي جعل الأمور مرهونة بأوقاتها والأشياء مرتبطة بأسبابها.
وليس في نسبة الفعل إلى الله ، بالرغم من تحققه بالأسباب الطبيعية ، أيّ مساس بعدالته ورحمته ، لأنه بمثابة جزاء لهم على ما فعلوه من إفساد واستعلاء واستكبار ، ولا مانع من أن يعاقبهم الله في الدنيا بيد خلقه ، كما يعاقبهم في الآخرة بواسطة ملائكته ، وكلا الأمرين عدل.
وقد ذكر بعضهم أن المستفاد من قوله تعالى : (عِباداً لَنا) أن هؤلاء المهاجمين كانوا من عباد الله المؤمنين ، وذلك بلحاظ نسبتهم إليه. ولكننا نعرف أن الكفّار هم عباد الله ، كما هم المؤمنون كذلك ، وإن لم يقوموا بما تفرضه عليهم العبودية من فروض الطاعة والالتزام.