النحاس المذاب الذي يتخلل الحديد ويختلط به ، فيزيده قوّة وصلابة.
(فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) بأن يرتفعوا فوقه لعلوّه ، (وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) بأن يثقبوه لينفذوا من خلال الثقب لصلابته وقوّته.
* * *
طمأنينة المؤمن
وهكذا تمّ لذي القرنين ما أراده من إغلاق المنافذ التي كان ينفذ منها هذا الجيش البشري ـ يأجوج ومأجوج ـ ليفسدوا البلاد ويهلكوا العباد ، وذلك انسجاما منه مع مسئوليته الإيمانية في ما إراده الله من تقوية الضعيف بقدرته. وهناك شعر بالراحة النفسية والطمأنينة الروحية التي يلمسها المؤمن عند ما يقوم بمسؤوليته أمام ربه ، فيرى رحمة في القوة التي منحها الله له وفي الروحية التي فتح فيها قلبه وعقله على مواقع الخير ، مما يعطي الموقف معنى الإيمان الذي يعيش معه الإنسان ، بعيدا عن كل مشاعر القوة الذاتية والكبرياء الشخصي.
(قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي) فهو مكنني من الخير وهيّأ لي الظروف وساعدني على مساندة الآخرين لي في ما أريد القيام به في خط المواجهة للمفسدين في الأرض ، وفي مجابهة القوة العدوانية بالقوة العادلة. (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي) وقامت القيامة ، وزالت الجبال وتحولت إلى هباء ... (جَعَلَهُ دَكَّاءَ) فلا يبقى منه شيء ، بل يتحول إلى تراب يطير مع الريح (وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) لا ريب فيه ، فهو أصدق من وعد ، فلا مبدل لكلماته وهو اللطيف الخبير. وربما كان المراد من الوعد الحق ، الزمن المحدد الذي يختص بهذا السد عند اقتراب الساعة ، كما قد توحي به الآية الكريمة في قوله تعالى في سورة الأنبياء : (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُ) [الأنبياء : ٩٦ ـ ٩٧]
* * *