في ما يتحركون به من إفساد البلاد والعباد ، إما بالمواجهة ، أو بالمعاهدة ، أو بغير ذلك من الأمور ، ولكنهم لم يجدوا هناك إلّا إقامة السدّ بينهم ، ليكون ذلك حاجزا طبيعيا يمنعهم من القدوم إليهم ، أو الهجوم عليهم. وهكذا طرحوا المسألة على ذي القرنين بسذاجة وطيبة وبساطة.
(قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) فهم يغيرون علينا ويعملون فينا سلبا ونهبا وقتلا وتدميرا ... ولا نملك أيّة وسيلة لردّ عدوانهم علينا ، ومواجهة إفسادهم لحياتنا وحياة الناس من حولنا ، (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً) أي مالا يكون بمثابة الأجر لك على ما نطلبه منك من عمل ، كما يعطى كل صاحب عمل أجر عمله ، ممّا يحفزه على القيام به والاستمرار فيه ، لأن القليلين من الناس هم الذين يقومون بخدمة غيرهم من دون أجر.
(قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ) فقد أعطاني الله من أسباب القوة من المال والسلطة ، ما هو خير لي من المال الذي تدفعونه لي ، ولذلك فإني أعمل من أجل رضاه وذلك بتقديم الخدمات لكم وللآخرين من عباد الله الذين أستطيع خدمتهم ، فمنه أطلب القوّة والثواب ، ولذلك فإني مستعد للقيام بما تريدونه مني ، ولكن ذلك يحتاج إلى مساعدة منكم بما تملكونه من الإمكانات العملية التي يقدّمها العمال من جهد وقوّة من أجل إتمام العمل. (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) على بنائه وتحضير الوسائل الممكنة لذلك ، من مواد العمل وجهد العمال. (أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً) فأسدّ الثغرة المفتوحة بين الجبلين ، التي تفسح لهم المجال للنفاذ إلى مواقعكم. (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) وهي قطع الحديد التي تمثل الأساس في قوة السد وإحكامه ، بالإضافة إلى ما يحتاج إليه من الحجارة. (حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) من خلال قطع الحديد التي جمعوها له ، ووضعها في الثغرة الواقعة بين الحاجزين ، فأصبحا كأنهما صدفتان تغلقان ذلك الكوم بينهما ، فصارا في مستوى القمتين ، (قالَ انْفُخُوا) على النار لتسخين الحديد ، (حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً) من خلال توهجه واحمراره ، (قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) وهو