مواجهة الحقيقة
وإذا كان الله وكيلا وكافلا لعباده ، فكيف لا يستذكر العباد ذلك ، وكيف يغفل البعض عن الله ، فيرتبط في شعوره وإحساسه بالأمن ، بالجانب الحسّي من الحياة ، ولا يلتفت إلى أن الله الذي يمنح الإنسان النجاة في مظاهر الأمن الحسّي ، قادر على أن يسلبه ذلك في الموقع نفسه ، لأن الله يحفظ الإنسان ويحرسه من حيث يحتسب أو لا يحتسب ، ويهلكه من حيث يشعر أو لا يشعر ، مما يفرض عليه أن يتعلق بالله في خوفه وأمنه ، ولا يتعلق بمظاهر خلق الله ، لأن الله هو الذي خلق أسباب الموت والحياة. وهذه هي الفكرة التي تعالجها هذه الآيات في أكثر من نموذج من مواقع الحفظ أو الهلاك.
(رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ) ويجريها فيه بقوانينه الطبيعية التي أودعها في الكون ، في حركة الرياح التي تخضع لها حركة السفن في البحر.
(لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) في ما يرزقكم من رزقه الذي يسخره لكم في البحر ، وما يوصلكم إليه من مواقعه في البر ، عند ما لا يكون هناك طريق بري إليه.
(إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) فقد أغدق عليكم من شآبيب رحمته في أصل الوجود وفي حركته ، وهو يريد أن يوصلكم إلى النعيم في جنته ورضوانه في دار السلام.
(وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ) وثار الموج من كل مكان ، واهتزت السفينة في قبضة الرياح الهائجة ، وعشتم الخوف والهلع ، ورأيتم الموت أمامكم ماثلا في كل موجة ، وفي كل اهتزاز ... فإلى من تتجهون بقلوبكم؟ ومن هو القادر على إنقاذكم؟ وكيف تتصرفون؟؟ فكّروا جيدا في هؤلاء الذين تعبدونهم من دون الله ، هل ترون فيهم ملجأ من الخوف ، ومهربا من الموت؟ هل يملكون لكم نفعا؟ فهم لو كانوا في مثل حالتكم لما استطاعوا إلى الخروج من هذا