منهج الاجتهاد في القرآن والسنّة
وقد يستوحي الإنسان من كثير من النصوص ، أن عليه أن يستجيب لهما في الأمور التي يريدانها منه ، حتى إذا كانت على خلاف مزاجه ، أو على خلاف مصلحته ، في ما لا يتضمن ترك واجب أو فعل حرام ، كما كانا يفعلان عند ما كانا يقدّمان مصلحته على مصلحتهما ... وهذاورد في كلمات بعض أئمة أهل البيت عليهمالسلام : «وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل ...» (١) ولكن ذلك لا يوحي بالإلزام الشرعي ، بل بما يشبه. الاعتراف بالجميل في أجواء الاستحباب ، انسجاما مع خط الإحسان الذي اعتبره القرآن عنوانا لعلاقة الولد بوالديه. ولهذا رأى الفقهاء في الحديث النبوي المأثور : «أنت ومالك لأبيك» (٢) الذي خاطب به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أحد صحابته ، تأكيدا لعمق العلاقة ، بالمستوى الذي يعيش فيه الشعور بأن وجوده إذا كان منطلقا في طبيعته من وجود أبيه ، فمن الطبيعي أن يكون كل شيء تابعا له ، فلا ينبغي له أن يشعر بالاستقلال في كل شيء ، كما هو شأن الفرع مع الأصل. على أن ما ورد ليس شريعة قانونية تستعبد الولد وتجعل ماله ملكا شخصيا للوالد ، لأن أجواء الحديث لا توحي بذلك ، كما أن الأسلوب القرآني لا ينسجم معه.
وفي رأينا ، أن منهج الاجتهاد الفقهي يرتكز على أساس اعتبار العنوان الموجود في القرآن في بعض الموضوعات قاعدة للأحكام الشرعية التفصيلية التي تتضمنها السنّة الشريفة ، باعتبار أن السنّة جاءت تفصيلا لما أجمله القرآن وتفريعا لما فصّله ، فهو الذي يعطي الفكرة العامة والعنوان الشامل ، وهي التي
__________________
(١) المجلسي ، محمد باقر ، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ، دار إحياء التراث العربي ، ط : ١ ، ١٤١٢ ه ـ ١٩٩٢ م ، ج : ٧١ ، ص : ٢٦ ، باب : ٢ ، رواية : ٢
(٢) (م. ن) ، ج : ٦ ، ص : ٦٩ ، باب : ٢٣ ، رواية : ٢.