يرزقنا الله وإياكم من فضله (١).
(وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) وهذا هو خط التوازن في الإنفاق ، فلا يريد الله للإنسان أن يمنع عطاءه بحيث لا ينفق من ماله شيئا ، كمن تكون يده مقيدة إلى عنقه ، فلا ينزل منها شيء لعدم قدرته على الإعطاء والبذل ، وهذا على سبيل المبالغة في النهي عن البخل والإمساك ، (وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) بحيث تعطي كل ما لديك فتكون بمنزلة من بسط يده كل البسط ، ولم يبق له منه شيء ليحتفظ به للمستقبل ، (فَتَقْعُدَ مَلُوماً) تعيش التأنيب النفسي إذ تلومك نفسك لأنك لم تبق لها بقيّة من مال يحفظ لحياتك عزتها وكرامتها ، (مَحْسُوراً) تواجه الناس من موقع الحاجة التي قد تنتهي بك إلى مشاكل مادية ومعنوية في حركة حياتك مع الناس.
* * *
بين التوازن في الإنفاق ومبدأ الإيثار
وربما يثأر هنا سؤال ، وهو كيف نوفق بين هذا المبدأ الذي لا يسمح للإنسان ببذل كل ما عنده ، وبين الإيثار الذي يتحدث عنه القرآن كقيمة إنسانية روحية؟ والجواب : إن هذا المبدأ يرتكز على أساس التأكيد على التوازن في العطاء ، بحيث يبقى لديه بقيّة يستطيع من خلالها أن ينفع نفسه وينفع الآخرين بتحريكها وتنميتها من جديد ، بينما يرتكز الإيثار على جانب تقديم منفعة الآخرين على منفعة نفسه ، فإذا كان محتاجا إلى شيء ، فإنه يتنازل عنه إذا طلبه منه الناس الذين يحتاجون إليه حتّى ولو كان هذا الشيء هو كل ما عنده ، فلكل
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ٦ ، ص : ٥٣٢.