عن استيحاء عبوديتهم لله ، لأن ذلك قد يدفعنا إلى الاستغراق في علاقتنا بهم إلى درجة الغلو في العقيدة ، أو الشرك في التصور والشعور ، أو الانحراف في الطاعة والخضوع ، بينما يكون الحديث عن صفة عبوديتهم لله قبل الحديث عن صفاتهم الذاتية ، باعثا على الاستغراق في عظمة الله من خلالهم ، في عملية إيحاء داخليّ بأنهم لا يملكون أية صفة أو قيمة ذاتية في أنفسهم ، لأنهم عباد الله الذين لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا إلا بالله ، فما بهم من نعمة فمن الله ... وهكذا يتوازن الفكر والشعور والإيمان في وعي الإنسان لعقيدته بالله وعبوديته له ، وفي تقديره للناس الذين يملكون بعض جوانب العظمة من حوله. ولعل هذا ما جعل الشهادة التي أرادنا الله أن نشهدها للنبي بالرسالة ، في حالة التشهد في الصلاة ، تفرض الحديث عن الشهادة له بالعبودية لله ، قبل الشهادة له بالرسالة.
* * *
اللمسة الموحية
(لَيْلاً) هذا التأكيد على التصريح بالليل ، الذي تختزنه كلمة (أَسْرى) قد يكون للإيحاء بالجوّ الهادىء الذي يضفيه الليل ، مما يتناسب مع هذا الحدث الإلهي العظيم الذي يراد به انفتاح النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على الكون في هذه الرحلة الإلهية العجيبة ، حيث سيعيش الإحساس الرائع بالصفاء الروحي ، والانطلاق الفكري ، والانسياب الشعوري ، في حركة هادئة خفيّة يعيش فيها الإنسان حالة الانسجام بين أعماق ذاته والجوّ من حوله ، ممّا يحقق له المزيد من الاستيحاء الدقيق للأفكار ، والاختزان العميق للمشاعر ، وبذلك كانت