تحريك للفكرة ليقتنع الناس بالحق من خلالها ، وليكتشفوا ما لا يستطيعون اكتشافه إلا من خلالها ، بفعل الضغوط التي يواجهونها في حركة العقيدة في حياتهم.
وهكذا أثار موسى عليهالسلام أمام فرعون الحقيقة حول السر الذي يختفي وراء هذه الآيات ، ليفكر بذلك في اتجاه جديد. ثم انطلق ليردّ التحدّي الذي مارسه فرعون ضدّه في مجال التجريح الشخصي ، فإذا كان يظنه مسحورا لأنه دعا إلى الإيمان بالله ، فإن موسى عليهالسلام يوجّه إليه الإنذار بالحقيقة المرعبة الحاسمة التي تنتظره ، وهي الهلاك : (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً). والثبور هو الهلاك ، وقد عبّر بالظن محاكاة لأسلوبه في التعبير ، فالمسألة لدى موسى عليهالسلام هي مسألة يقين بالمصير الذي ينتظر هذا الطاغية. وربما أراد موسى من هذه الكلمة شيئا آخر غير ردّ الفعل لمسألة التحدي ، وهو إثارة الاهتمام لديه بالقضايا التي أثارها معه في موضوع الإيمان بالله ، والابتعاد عن السلوك الطغياني ، وذلك من خلال إثارة مسألة الهلاك أمامه في نطاق الجسد والروح ، ليعود إلى نفسه في فترة التأمل الذاتي ، أو في حالة الخوف النفسي ، في ما يمكن أن ينتظره من المصير المظلم في الدنيا والآخرة ، ولكن فرعون لم يرجع إلى نفسه ، ولم يركن إلى ربه ، فتعاظمت نفسه لديه ، وأخذته العزة بالإثم. وربّما كانت كلمة موسى عليهالسلام عنصرا مثيرا مضادا في طبيعة المواجهة. ولذا بادر ، كما يبادر الكثيرون من الطغاة ، إلى التصرف بطريقة طاغية استفزازية ، ليخنق هذه الانتفاضة الجديدة لحركة الحرية المنبثقة عن روح البسالة ، وليسحق الروح التي بدأت تثير في الساحة الكثير من حالات التململ الذي يقود إلى التغيير على أساس الإيمان بالله ، الذي يقود النبي موسى عليهالسلام حركته تحت لوائه.
* * *