وقد أجاب البعض عن هذا الإشكال بأن التكذيب مساوق للتعذيب في إرادة الله ، كما قرره في بعض آياته ، وذلك في حالات إنزال الآيات المقترحة من قبلهم ، وهذا ما لا مجال له في زمن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأن الله قد رفع العذاب عنهم بسبب وجود النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فيهم ، وبسبب استغفارهم كما جاء في الآية الكريمة : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال : ٣٣] فلو أنّ النبي استجاب لمقترحاتهم لكذبوه ، ولكان ذلك موجبا لنزول العذاب عليهم ، مما لا يتناسب مع هذه السنة الإلهية الجديدة في أمر الواقع الإسلامي.
وقد ورد التأكيد على هذا الوجه في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر محمد الباقرعليهالسلام في تفسير الآية ، قال : وذلك أن محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم سأل قومه أن يأتيهم ، فنزل جبرائيل فقال : إن الله عزوجل يقول : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) وكنا إذا أرسلنا إلى قريش آية فلم يؤمنوا بها أهلكناهم ، فلذلك أخرنا عن قومك الآيات(١).
ولكن هذه الرواية لا تخلو من مناقشة ـ بحسب ظاهرها ـ لأنها تعتبر أن الآية هي رسول الله ، كما تتحدث عن أحداث سابقة في تاريخ قريش ، متضمنة للتكذيب وللإهلاك. وهذا مما لا نعهده فيهم ، لأن الله لم يرسل إليهم رسولا قبل النبي محمدصلىاللهعليهوآلهوسلم.
وقد ورد في الدر المنثور : «أخرج أحمد ، والنسائي ، والبزار ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والطبراني ، والحاكم ، وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، والضياء في المختارة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : سأل أهل مكة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا ، وأن ينحي عنهم الجبال فيزرعون ، فقيل له : إن شئت أن تتأنّى بهم ، وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا ،
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٣ ، ص : ١٤٥.