(قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً) في ما يصبر عليه طالب المعرفة ويتحمله من الجهد النفسي والعملي في سبيل الحصول عليها. إنه العزم الذي يتحرك في إرادتي التي لا أضمن امتدادها في خط الالتزام العملي إلا بمشيئة الله ، في ما يقدّره من أسباب ، وما يخلقه من ظروف ، وما يثيره في حياتي من أفكار ومشاعر ، قد تغيّر العزم ، وتسقط الالتزام ... إن القضية هي أنّي أعدك بالصبر ، فسأكون صابرا ، أتحمل كل النوازع الذاتية الصعبة ، (وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) كما هو دور التلميذ مع أستاذه الذي يثق بكفاءته وحسن تقديره للأمور ، وإخلاصه في سبيل رفع مستواه.
ولكن العبد الصالح يريد أن يحدّد المسألة في دائرة الأسلوب العملي للمعرفة ، فهو لا يريد أن يبادر تلميذه بالمعرفة ، ولا يريد له أن يبادره بالسؤال ، بل يريد له أن يتأمل ، ويثير الفكرة في داخله ، ويحاول أن يتعمق في القضايا من خلال المعاناة الفكرية التي تمنحه قوّة عقلية متقدّمة ، كما يريد له أن يحصل على ملكة الصبر في مواجهة المشاكل الفكرية المعقّدة ، فلا يستعجل الوصول إليها قبل توفّر عناصر النضوج لديه ، كي لا يتحول إلى إنسان سطحيّ في تفكيره.
(قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ) مما لم تعرف وجهه ، ولم تحط بخفاياه ، (حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) وأبدأ حواري معك ، عند ما تحين اللحظة المناسبة ، التي أرى فيها المصلحة للحديث عن الموضوع معك. وهذا هو شرطي الوحيد الذي أضعه أمامك ، للموافقة على مصاحبتي في هذا الطريق.
* * *