وهكذا عرف الناس أمرهم ، واستذكروا القصص التي كانوا يسمعونها من آبائهم ، (لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها) هذه صورة حيّة عن تجربة قريبة من أجواء فكرة البعث في الآخرة ، فقد بقي هؤلاء في حالة موت مجمّد ، يحمل بعض ملامح الحياة في حركة الجسد ، وبعض ملامح الموت في فقدان الوعي والانفصال عن كل شيء في الواقع ، ولكنها لا تمثل حالة الغيبوبة للإنسان الحيّ ، ولا حالة السكون في الجماد. وها هم ينتفضون بعد ثلاثة قرون ونيّف ، ليواجهوا الحياة كأقوى ما تكون ، وكأعمق ما تتحرك في الكائن الحيّ. إنه النموذج الحيّ الذي يعطي الفكرة معناها الواقعي ، ويوحي بصدق الإيمان في العقيدة ، فيعلم الناس أن وعد الله ، الذي أوحى به لعباده من خلال رسله ، هو الحق الذي لا ريب فيه ، وأن الساعة التي يقف فيها الناس للحساب أمام الله ، هي الحقيقة التي لا تقبل الجدل ، لأن الله هو الذي وعد ، وهو أصدق الواعدين ، وهو الذي أخبر ، وهو المحيط بكل شيء ، فكيف يشكّ الإنسان في ذلك أو يرتاب؟! وهذا النموذج يجسّد الفكرة في الواقع.
(إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ) بعد أن ماتوا ، وبدأ التفكير في مراسيم التكريم التي يريدون القيام بها تجاه هؤلاء المؤمنين ، الذين فروا بدينهم فأكرمهم الله بأن جعلهم مظهرا لقدرته. (فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً) ليكون مظهرا للعظمة ورمزا للاحترام ، فيكون موقعا مميّزا يقصده الناس للزيارة وللفرجة ، تماما كما هي المعالم السياحية للعظماء في الأمة. (رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ) في ما يسرّون وما يخفون ، فليس لنا منهم إلا هذه الأجواء الاحتفالية التكريمية ، في علاقة الناس بالذين يعيشون الأسرار الخفية في الحياة. وهؤلاء هم الذين لا يرتبطون بالمسألة من موقع الاهتمام بها كظاهرة روحيّة غيبيّة في وحيها للمؤمنين بالرجوع إلى الله والاقتداء بهؤلاء المؤمنين ، بل يرتبطون بها كحالة اجتماعية مثيرة توحي بالغرابة والعظمة.
* * *