الطبيعية الكامنة في حركة الأشياء ، فكيف نفهم نسبة الله التعجيل إلى فعله لبعض الناس دون البعض الآخر؟ ونجيب على ذلك بما أجبنا عنه في أمثاله ، بأن إرادة الله للأشياء ، لا تعني ـ دائما ـ مباشرته لها ، بل يتحقق ذلك من خلال سننه. ثم لماذا نفكر دائما باستبعاد علاقته ـ تعالى ـ بالسنن الكونية التي يتحرك ـ من خلالها ـ كل شيء في الكون ما دام الله قد أقام الحياة كلها عليها؟
(ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً) ... وهذا هو جزاء الذي ينكر الله ورسالاته ورسله واليوم الآخر ، أو لا يعمل في هذا الخط ، بل ينحرف عنه إلى أجواء التمرّد والعصيان ، فقد أقام الله عليه الحجة في ذلك كله ، فلا عذر له في ما عمله من شرّ أو انتسب إليه من باطل ، لهذا سيحترق في نار جهنم وهو مذموم لسوء فعله ، ومطرود لانحراف إيمانه.
(وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ) وهو الذي فهم الحياة الدنيا فهما عميقا خاصا ، ينطلق من فهمه لمسألة الإيمان الذي يرى في الدنيا مزرعة الآخرة ، فليس المطلوب منه أن يترك طيباتها وشهواتها ولذائذها أو يبتعد عن قضاياها ، بل المطلوب منه أن لا يستغرق فيها من خلال هواه ، ولكن ينطلق فيها من خلال خوفه مقام ربّه ، وملاحظته العلاقة بين الممارسة العملية في الدنيا وبين النتائج السلبية والإيجابية في الآخرة ، ليظل في عملية اتصال دائم وثيق بالخط المتوازن من خلال ما يوحي به العقل ويتحرك به المنطق ، مما يجعل من الآخرة ، التي يتمثل فيها رضوان الله ونعيم الجنة ، هدفا لكل أعمال الدنيا ، لتكون دنيا الإنسان الحسية ، آخرة بمعنى انطلاقها من رضوان الله. ولكن المسألة ليست إرادة تعيش في الأعماق ، بل هي الإرادة التي تدفع نحو العمل ، وتقود إلى الهدف ، لتعيش الحركة الفاعلة المتصلة بالخط الذي يربط الدنيا بالآخرة ، حيث يتركز الإيمان في عمق الشخصية ، لأن السعي إلى الآخرة من خلال طبيعة العمل الصالح الذي ينسجم مع الخط الإيماني ، هو الذي يحقق الغاية التي حددها الله ، إذ لا بد من أن يكون الساعي إلى الآخرة مؤمنا ،